السؤال: ما معني قوله تعالي: "وقضينا إلي بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا"؟
***يجيب الشيخ اسماعيل نور الدين من علماء الأزهر: هذا هو ما حكم الله سبحانه به علي بني إسرائيل فقد حكم الله سبحانه وتعالي عليهم ان يفسدوا في الارض مرتين "وهو قضاء لا مرد له" ولهذا جاء الفعل مؤكدا "لتفسدن" فكانه أمر لهم ان يفسدوا وذلك لانهم واقعون تحت هذا القضاء الذي لايرد حتي كأنهم مأمورون به".
وهذا من ابتلاء الله وغضبه عليهم لما سبق في علمه جل شأنه من انهم لم يستقيموا علي هدي ولن يسكنوا إلي عافية.
والفساد الذي يتضح من كيان بني اسرائيل هو فساد يجئ عن بطر وكبر وكفر بنعم الله التي يفيضها عليهم ولهذا جاء قوله تعالي: "ولتعلن علوا كبيرا" معطوفا علي هذا الفساد مؤكدا لتأكيده حيث انه كائن منه ومتولد من كيانه فهو علو فاسد نتاج غرس فاسد فهم انما يفسدون حين يمكن الله لهم في الارض ويفيض عليهم الكثير من نعمه وعندئذ يستبد بهم الغرور ويستولي عليهم البطر شأن اصحاب النفوس النكرة والقلوب المريضة اذا مستها رحمة من رحمات الله مكرت بها واحالتها في كيانها شرا وبلاء تتغذي منه وتلقي بثمره النكد الي كل ما حولها كالأرض الملح ينزل عليها الغيث فتتحول الي برك ومستنقعات لا تفوح منها الا الروائح العفنة ولا يتحرك علي صدرها الا الهوام والحشرات.
وفي قوله تعالي "في الكتاب" اشارة الي ان ما قضي الله به في بني اسرائيل والزمهم اياه هو مما في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وفي هذا توكيد لهذا القضاء المبرم المكتوب وأنه لا مفر منه.
هذا ويري الامام الزمخشري ان المداد بالكتاب هو التوراة متابعا في هذا من سبقه من المفسدين وقد تبعه علي هذا الرأي من جاء بعده وقليل من المفسدين من قال بأن الكتاب هو اللوح المحفوظ باعتبار ان ذلك رأي مرجوح والذي نقول فيه هو ان المراد بالكتاب هو الكتاب المسطور وهو اللوح المحفوظ وهو أم الكتاب كما يقول سبحانه "وعنده أم الكتاب".
وفي قوله تعالي "لتفسدن في الارض مرتين" خبر محقق بأن الافساد الذي يقع من القوم سيكون "مرتين" يقعان علي امتداد حياة بني إسرائيل في هذه الارض وقد اختلف في الزمن الذي يقع فيه هذا الفساد في كل مرة من المرتين وهل وقعت هاتان المرتان أو لم تقعا بعد ام وقعت احداهما ولم تقع الأخري؟ والذي عليه اكثر المفسرين أن هاتين المرتين قد وقعتا بالفعل وأن إحداهما كانت عند الاسر البابلي علي يد بختنصر الذي استولي علي دولة بني اسرائيل ودمرها تدميرا وهدم بيت المقدس وساق القوم أسري إلي "بابل".
أما المرة الثانية فكانت بعد ان قتلوا النبي "أرميا" وقيل بعد ان قتلوا النبي "يحيي" والذي ينظر في قوله تعالي "لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا" يري أن الافساد الذي يقع من بني إسرائيل مصاحب لصفة دالة عليه وهي أن يكونوا في حال هم فيها اصحاب قوة متمكنة وسلطان ظاهر وعلو في الأرض وأن هذا السلطان الظاهر لهم وهذه القوة العنيدة بين أيديهم وهذا العلو البادي لهم انما هو نعم متنبتة في ارض فاسدة وغيث هاطل علي مستنقع عفن ومن هنا يكون البناء الذي اقاموا منه سلطانا وحصلوا منه علي قوة وبلغوا ما بلغوا من علو هو بناء فاسد يحمل في كيانه معاول هدمه وتدميره فإذا نظرنا إلي بني إسرائيل من خلال هذه الصفة التي يكونون عليها حين يأخذهم الله سبحانه وتعالي بما يأخذ به الظالمين فيسلط عليهم من يرميهم بالنقم ويأخذهم بالبأساء والضراء.
المصدر: جريدة "المساء" المصرية.