رسالة إلي صلاح الدين
للشاعر فارق جويدة يا سيدي فلأعترف
أن الجواد الجامح المجنون
قد خسر الرهان
وبأن أوحال الزمان الوغد
فوق رؤسنا ..
صارت ثياب الملك والتيجان
وبأن أشباه الرجال تحكموا
وبأن هذا العصر للغلمان
يا سيدي . .فلأعترف
أن القصائد لا تساوي رقصةً
أو هز خصرٍ في حمى السلطان
أن الفراشات الجميلة ..
لن تقاوم خسة الثعبان
أن الأسود تموت حزناً
عندما تتحكم الفئران
أن السماسرة الكبار توحشوا
باعوا الشعوب ..
وأجهضوا الأوطان
ولأعترف يا سيدي . .
إني وفيت . . وأن غيري خان
إني نزفت رحيق عمري
كي يطل الصبح ..
لكن خانني الزمن الجبان
وبأنني قدمت العمر قرباناً ..
لأصنامٍ تبيع الإفك جهراً
في حمى الشيطان
وبأنني بعت الشباب وفرحة الأيام
في زمن النخاسة والهوان
ولأعترف يا سيدي ..
أني خسرت العمر في هذا الرهان
وغدوت أحمل وجه إنسان ..بلا إنسان
***
غنيت للقدس الحبيبة أعذب الألحان
وانساب فوق ربوعها شعري
يطوف على المآذن
والكنائس والجنان
القدس ترسم وجه طه
والملائك حوله
والكون يتلو سورة الرحمن
القدس في الأفق البعيد
تطل أحياناً وفي أحشائها
طيف المسيح . .وحوله الرهبان
القدس تبدو في ثياب الحزن
قنديل بلا ضوء
بلا نبضٍ . . بلا ألوان
تبكي كثيراً
كلما حانت صلاة الفجر
وانطفأت عيون الصبح
وانطلق المؤذن ..بالآذان
القدس تسأل :
كيف صار الابن سمساراً .. وباع الأم
في سوق الهوان بأرخص الأثمان ؟!
صوت المآذن و الكنائس لم يزل
في القدس يرفع راية العصيان
الله أكبر منك يا زمن الهوان
الله أكبر منك يا زمن الهوان
الله أكبر منك يا زمن الهوان ***
كانت لنا يوماً هنا أوطان
وطن بلون الصبح كان
وطن بلون الفرح
حين يجئ منتصراً على الأحزان
وطن أضاء الكون عمراً
بالسماحة .. والهداية.. والأمان
وطن على أرجائه الخضراء هلّ الوحي
في التوراة .. والإنجيل .. والقرآن
في كل شبرٍ من ثراه ..
تمهل التاريخ وانتفض الزمان
وطن بلون الصبح كان
يمتد من صوت المؤذن ..
في ربوع الشام .. للسودان
ينساب فوق ضفاف دجلة
ينتشي فيها
ويرقص في ربا لبنان
ويطل فوق خمائل الزيتون
في بغداد .. في حلب .. وفي عمّان
عيناه دجلة والفرات
جناحه يمتد في اليمن السعيد
إلى ضفاف المغرب العربي
من أقصى الخليج إلى ذرا أسوان
في مصر تاج العرش
بين ربوعها ولد الزمان وكبر الهرمان
القلب في سيناء ينبض
يحمل النيل المتوج بالجلال
فتسجد الشطآن
وطن تطوف عليه مكة كعبة الدنيا
وبيت الحق و الإيمان
وطن عنيد أيقظ الدنيا
وعلمها طريق المجد
علمها فنون الحرب
علمها البيان
***
وطن جميل كان يوما كعبة الأوطان
ماذا تبقى منه ؟
الآن تأكله الكلاب وترتوي
بالدم فوق ربوعه الديدان
الآن ترحل عنه أفواج الحمام
وتنعق الغربان
الآن ترتع فيه أسراب الجراد
وتعبث الفئران
الآن يأتي الماء مسموماً
ويأتي الخبز مسموماً
ويأتي الحلم مسموماً
ويأتي الفجر مصلوباً على الجدران
وطن بلون الفرح يبدو الآن محمولاً
على نعشٍ من الأحزان
جسد هزيل في صقيع الموت
مصلوب بلا أكفان
وطن جميل كان يوماً كعبة الأوطان
الآن ترتحل الرجولة عن ثراه
ويسقط الفرسان
في ساحة الدجل الرخيص
يغيب وجه الحق
تسقط أمنيات العمر
يزحف موكب الطغيان
في ساحة القهر الطويل
يضيع صوت العدل
تحبو أغنيات الفجر
تعلو صيحة البهتان
وطنٌ بلون الصبح كان
وطنٌ كبير ..أنت في عيني
هزيل في ظلام السجن والسجان
وطنٌ جسور ..أنت في عيني
ذليل في ثياب العجز والنسيان
وطنٌ عريق ..أنت في عيني
أراك الآن أطلالاً
بلا اسم .. لا رسم .. لا عنوان
وطن بلون الصبح كان
في أي عينٍ
سوف أحمي وجه ابني
بعدما صلبوا صلاح الدين
يا وطني على الجدران
في أي صدرٍ
سوف يسكن قلب ابني
بعدما عزلوا صلاح الدين
من عين الصغار ..وتوّجوا ديّان
ياللمهانة عندما تغدو سيوف المجد
أوسمة بلا فرسان
ياللمهانة عندما يغدو صلاح الدين
خلف القدس مطروداً
بلا أهلٍ .. بلا سكنٍ
بلا وطنٍ .. بلا سلطان
في كل شئ أنت يا وطني مهان من علّم الأسد الأبيّ
بأن ينكس رأسه ويهادن الجرذان ؟!
من علّم الفرس المكابر
أن يهرول ساجداً
في موكب الحملان؟!
من علّم القلب التقيّ
بأن يبيع صلاته ويعود للأوثان ؟!
من علّم الوطن العريق
بأن يبيع جنوده
ويقايض الفرسان ..بالغلمان ؟!
من علّم الوطن العزيز بأن يبيع ترابه
للراغبين بأبخس الأثمان؟!
من علّم السيف الجسور
بأن يعانق خصمه
ويعلق الشهداء في الميدان ؟!
يا أيها الوطن المهان
إني برء منك
يا أيها الزمن الجبان
إني برئ منك
إني برئ منك إني برئ منك