لم يدخر وزير الصحة السابق فرصة للتربح من الكرسي الذي وضعه عليه جمال مبارك.. وحول عقود الوزارة ومواردها إلي حساب إضافي ليرفع ثروته إلي 4 مليارات جنيه
حرم الفقراء من قرارات العلاج علي نفقة الدولة وجعلها بالواسطة من محاسيب ومستشارين يعملون في مستشفاه الخاص.. ثم منحها لنفسه وزوجته بدم بارد من أموال هؤلاء الفقراء أيضاً.
هو أحد جلادي النظام وأحد زبانية سلخ المصريين أحياء. فما أقسي أن تصاب بنزيف مفاجئ أو ارتفاع في ضغط الدم بفعل الأوضاع السيئة أو تعاني من داء عضال، ولاتجد بابا مفتوحا لعلاج رخيص في مستشفيات الدولة التي كاد يحولها حاتم الجبلي إلي شركات استثمارية تعرف طرق الربح أكثر مما تعرف من طرق الرحمة، لولا تغييبه القسري بفعل الثورة..
فهو أحد رجال الأعمال الذين حملهم فكر جمال مبارك الجديد لخراب مصر مع حكومة نظيف الأولي، ومنذ أن وطئت قدماه مبني الوزارة شهد قطاع الصحة أسوأ حالاته، كما تحولت الصحة في عهده لوزارة جباية عن خدمة لا تقدمها أصلاً.
جمع »الجبلي« خلال هذه الفترة بين عمله الحكومي والخاص فهو شريك في مركز كايرو سكان ومستشفي دار الفؤاد الذي يعد الصرح الطبي الاستثماري الأول في مصر والشرق الأوسط بعد أن احتلت دار الفؤاد الترتيب رقم 59 علي مستوي المستشفيات العالمية والمرتبة الثالثة في إفريقيا والشرق الأوسط، وحصلت علي شهادة الأيزو 9002 وكذلك شهادة الاعتماد الطبية الأمريكي.
كما أنه كان عضواً بمجلس إدارة شركة بولي سيرف للأسمدة والكيماويات وعضواً بمجلس إدارة شركة نوفوتيل السادس من أكتوبر ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية للاستثمارات الطبية بالامارات بالإضافة لعضوية مجلس إدارة شركة ستاركير الطبية بالسعودية وعضو مؤسس بجمعية اصدقاء معهد الاورام، وجمعية أصدقاء مستشفي دار الفؤاد وعضو مؤسس بجمعية النور للعيون الخيرية.
أسوأ ما وقع فيه »الجبلي« استثماره في مجال الطب من باب القرارات الوزارية ورفعه شعار ادفع أكثر لتحصل علي خدمة أفضل وتحويله المستشفيات لأصول عقارية يصبح بيعها هو الطريقة الأفضل والأسرع للتخلص من أعبائها.
الآن »الجبلي« متهم بتحقيق أقصي استفادة ممكنة من منصبه الوزاري واستغلاله أسوأ استغلال، حتي تضخمت ثروته إلي 4 مليارات جنيه بعدما دخلها ببضعة ملايين فقط، أغلبها من استثماراته بمستشفي دار الفؤاد ومركز كايرو سكان للأشعة.
سخر الجبلي سنوات تولي المسئولية عن صحة المصريين لخدمة مراكزه الخاصة بالمخالفة للمادة 158 من الدستور والتي تنص علي »أنه لايجوز للوزير أثناء تولي منصبه أن يزاول مهنة حرفة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو أن يشتري أو أن يستأجر شيئا من أملاك الدولة أو يؤجرها«.. ما جعل رجل الأعمال الوزير هدفا لواحدة من أكبر المحاكمات البرلمانية في الدورة البرلمانية الماضية بعد تقديم أعضاء المجلس 12 استجواباً موجهاً ضده بتهم بتسخير سلطاته كوزير للصحة لدعم البيزنس الخاص به في مستشفي دار الفؤاد ولصالح المستشفيات الاستثمارية، وإبرام عقود لصالح دار الفؤاد أثناء توليه الوزارة وإصدار القرارات لصالح المستشفيات الاستثمارية والخاصة وشركات الدواء الأجنبية، كل ذلك علي حساب المستشفيات الحكومية وتفننه في تدمير قيادات وزارة الصحة بعد أن جلب زملاءه وأحباءه في دار الفؤاد لخلافتهم.
وعرفت وزارة الصحة في عهد الجبلي كثيراً من أنواع الفساد: سرقة واختلاس وفساد تعاقدات ونظم الشراء وتقديم الخدمات العلاجية وعمليات تسجيل الدواء.. كما شهدت الوزارة أكبر فضائحها بكشف أزمة قرارات العلاج علي نفقة الدولة وعقد صفقات أجهزة طبية مشبوهة وشراء أراضي الدولة بأسعار هزيلة ومنح مرتبات خيالية لعدد من مساعديه ومستشاريه، وهي القضية التي كشفت إهدار مليارات الفقراء علي علاج الأغنياء والأجانب والمقيمين خارج البلاد، وفتح ملفها العام الماضي بواسطة احد مستشاري الوزير بعدما لاحظ تضخم ميزانيتها بمعدل وصل إلي 3.9 مليارات جنيه في 2009.
وتمثلت أبشع فصول الفضيحة في إصدار حاتم الجبلي لنفسه قراراً رقم 188 لسنة 2010 للعلاج علي نفقة الدولة وسفره إلي لندن لمجرد الاطمئنان علي صحته كما أن مجلس الوزراء كان قد وافق علي علاج الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة في الخارج في الفترة من 2006 حتي 2010 بالمخالفة للقانون، وبنفقات تصل لمليوني جنيه، بخلاف مصاريف السفر بالدرجة الأولي بالطائرة وبدل السفر بالفئة المقررة للوزراء. اضافة للقرار رقم 3162 لسنة 2008 والذي تضمن موافقة رئيس الوزراء علي المساهمة في نفقات علاج السيد الدكتور حاتم مصطفي مصطفي الجبلي وزير الصحة والسكان أثناء فترة علاجه بالولايات المتحدة الأمريكية لإجراء الفحوصات الطبية والأبحاث اللازمة لحالته بمستشفي كليفلاند بمبلغ عشرة آلاف دولار أمريكي ويخصم المبلغ علي الاعتماد المدرج لعلاج المواطنين بالمخالفة للقانون.. كما أصدر قرارات علاج لزوجته مني العيوطي علي نفقة الدولة بالولايات المتحدة لمدة شهر بمبلغ يتجاوز 70 ألف دولار، فضلا عن تسهيل استيلاء بعض نواب »الوطني« علي ملايين الجنيهات والعلاج في مستشفيات استثمارية باهظة الثمن ومنها مستشفاه الخاص من أجل تجنب استجواباتهم في مجلس الشعب، حيث حصل خمسة نواب علي قرارات علاج علي نفقة الدولة قدرت قيمتها بنحو 16 مليون جنيه في أسبوع واحد.
كما امتد الفساد إلي قرارات العلاج في الخارج فتشير المستندات إلي حصول 32 محظوظا علي مئات الألوف من الدولارات للإنفاق علي رحلات سياحة علاجية.
وفي وقاحة بالغة وقعت وزارة الصحة في عهد الجبلي عقداً مع دار الفؤاد التي يملكها الجبلي أيضا ومستشفي عين شمس التخصصي وقصر العيني الجديد والمقاولون العرب والمركز الطبي العالمي، وكشفت تقارير مختلفة عن إهدار مليار و500 مليون جنيه من المال العام في قضية العلاج علي نفقة الدولة بعد تخصيص أغلب القرارات للمستشفيات الخاصة فحصل مستشفي قصر العيني الفرنساوي الاستثماري علي قرارات علاج بمبلغ 22 مليون جنيه بينما حصل مستشفي عين شمس التخصصي علي قرارات قيمتها 10 ملايين جنيه وحصل مستشفي النيل بدراوي علي قرارات علاج قيمتها مليونا جينه.
لتصبح المحصلة النهائية للقضية تضاعف ميزانية العلاج علي نفقة الدولة ثلاث مرات بالمقارنة بميزانيتها في عهد وزير الصحة الأسبق إسماعيل سلام والمقدرة ب 750 مليون جنيه وبالرغم من ذلك تضاعفت معاناة المرضي ولم يصل الدعم الطبي لمستحقيه، في وقت أصبح المريض في حاجة للواسطة كي يحصل علي ثمن دواء يستحقه.
عزبة الصحة كان لها فوائد أخري للوزير ورجاله، منها تقاضي رئيس هيئة التأمين الصحي راتباً شهرياً قدره 280 ألف جنيه وحصول وكيل وزارة آخر علي 40 ألف جنيه شهرياً وحصول وكيله ناصر رسمي علي ما يقرب من نصف مليون جنيه راتباً شهرياً وحصول احمد مصطفي استاذ الاشعة ورئيس الامانة العامة للمستشفيات المتخصصة علي 40 ألف جنيه شهريا علي الرغم من سفره الدائم لتسيير أعمال مستشفيات بمنطقة الخليج والسعودية طبقا لما هو مسجل بجواز سفره وهو ما يعني عدم تفرغه للمارسة عمله بالقاهرة، فضلاً عن حصول المتحدث الإعلامي باسم الوزارة علي مرتب 100 ألف جنيه شهرياً، ومدير الشئون المالية والإدارية 50 ألف جنيه، وقد قام بترقيته لمنصب مدير رغم أنه تعرض لجزاء في عام 2004.
ولم يقتصر الامر علي مساعديه فكشفت مصادر عن نقل الوزير أحد السكرتارية من مستشفي دار الفؤاد لتعمل معه سكرتارية خاصة بمكتبه براتب تخطي الـ200 ألف جنيه وتدعي سهام صادق مهندسة حاصلة علي بكالوريوس زراعة كما قام بتعيينها عضو مجلس ادارة في الشركة القابضة »فاكسير« اضافة للغز الساعي المدعو »مدبولي« والذي عمل ببيت الوزير ثم مستشفي دار الفؤاد وفجأة اصبح من كبار موظفي مكتب الدكتور عبدالحميد اباظة مساعد الوزير لشئون الاتصال السياسي فضلاً عن قصة عبدالله شرف صديق ابنه والذي وافق الوزير علي سفره لامريكا للحصول علي دورة ادارة مستشفيات لمدة عامين بآلاف الدولارات ليعود للبلاد ويعمل بمكتب الوزير.
أضف إلي هذا عدداً من الصفقات المشبوهة بالأمر المباشر لبعض الشركات كما حدث عندما قام بإسناد عملية توريد 500 سيارة إسعاف لأحد الموردين من أصدقائه بالأمر المباشر بسعر 202 مليون جنيه، وإسناد عملية تجهيز مركز سوزان مبارك بالإسكندرية بقيمة 10.2 مليون جنيه إلي أحد الموردين بالأمر المباشر دون مناقصة وقصر شراء الاجهزة الطبية علي شركة سيمنز الالمانية مباشرة وتخطي الوكيل المعتمد بالقاهرة واستبعاد إحدي الشركات من مناقصة عامة لتوريد مستلزمات غسيل كلوي لإدراجها خطأ في الممارسة ومنح شركة اخري صفقة توريد المستلزمات بـ103 ملايين جنيه لتنتهي الازمة بتوريد اصناف مخالفة للشروط والمواصفات المطلوبة.
كما فجر العديد من التقارير فضائح من العيار الثقيل فكشفت عن وجود ما يزيد علي 5700 وحدة للغسيل الكلوي بالمستشفيات، والمعاهد الطبية الحكومية غير مطابقة لاشتراطات الجودة والمواصفات القياسية؛ الأمر الذي عرض ومازال حياة 29 ألفاً من مرضي الفشل الكلوي للخطر ويزيد من معدلات العدوي بالأمراض الفيروسية بين المرضي خاصة فيروسي سي وبي الكبديين الخطيرين. - بحسب تقرير مشترك لعدد من اللجان الفنية بوزارة الصحة فضلا عن اعتراف الوزير سابقا امام لجنة الصحة بمجلس الشوري باستخدام مستشفيات الوزارة أدويةً منتهيةَ الصلاحية للجمهور عند زيارته لأحد المستشفيات.
في حين تعمد الوزير تصفية الوحدات الناجحة في وزارة الصحة مثل هيئة المصل واللقاح لصالح الاستيراد من الخارج ومحاولة بيع جميع مستشفيات الحميات علي مستوي الجمهورية وإغلاق مئات المستشفيات بدعوي انها غير صالحة لعلاج المرضي فأصدر سابقاً تصريحات تفيد بوجود 600 مستشفي غير صالح لعلاج المرضي فضلا عن قطع الامدادات عن مستشفيات متميزة كمستشفي الهرم ورفضه دفع مديونيتها لاخلاء الساحة للمستشفيات الخاصة والاستثمارية.
»الجبلي« لم يوفر فرصة للتربح من عمله، حيث استولت إحدي الشركات التي يساهم فيها الوزير علي 17 ألف متر علي ناصية شارع يوسف عباس من ناحية الاوتوستراد والقاهرة من شركة مدينة نصر للاستثمار بسعر 100 جنيه للمتر لـ13 ألف متر مربع فقط من المساحة في حين ان سعر المتر 75 جنيهاً للمتر والثمن الاصلي للمتر بهذه المنطقة لا يقل عن 70 ألف جنيه.
وكشفت مصادر أيضا عن استغلاله أرضا بجوار ارض مدينة نصر والمخصصة لبناء جمعية خيرية لبناء مشروع استثماري وقد حصل عليها بنفس شروط انشاء الجمعية الخيرية ليبني عليها مساكن نصف تشطيب تباع بسعر السوق.
كما قام بإبرام عقد يوم 17/1/2009 يتم بموجبه تقديم خدمة طبية بين الهيئة العامة للتأمين الصحي ومستشفي دار الفؤاد والذي يحمل منتفعي التأمين الصحي مساهمات كبيرة تصل إلي 45 ألف جنيه في عمليات القلب المفتوح ومثل الطرف الاول د. سعيد راتب رئيس مجلس إدارة التأمين الصحي صديق الوزير والطرف الثاني الدكتور هشام الخولي بصفته مدير عام مستشفي دار الفؤاد اضافة لتعاقد هيئة التأمين الصحي برئاسة الدكتور سعيد راتب مع مركز القاهرة للأشعة التشخيصية كايروسكان المملوك لوزير الصحة.
ولم تسلم القرارات واللوائح التي صدرت في عهده من الاتجاه الصريح لخصخصة الخدمة الصحية وقصرها علي الاغنياء ولعل آخر القرارات واللوائح التي صدرت خير دليل علي ذلك وعلي رأسها اللائحتين الموحدتان للعمل بالمستشفيات التعليمية والحكومية فضلا عن قانون التأمين الصحي الجديد والذي حامت حوله العديد من الشبهات ابتداء من التجربة المطبقة علي محافظة السويس والتي شهدت العديد من النقاط الغامضة الجديرة بالاهتمام فالميزانية التي كانت مرصودة لتطوير مستشفي التأمين الصحي بالسويس هي 12 مليون جنيه فقط إلا أن الاصلاحات التي شهدها المستشفي تكلفت 15 مليون جنيه ومروراً بحجب النسخة النهائية من مشروع قانون التأمين الصحي عن جميع فئات المجتمع كنقابة الاطباء والاحزاب والمواطنين.