تحول من مندوب مبيعات عام 1983 إلي وزير إعلام عام 2008، وبين هذين التاريخين سطر أنس الفقي أسوأ تاريخ سوف يطارده حتي بعد خروجه من سدة وزارة الإعلام، أنس الفقي استطاع أن يطلق النار علي الجميع بواسطة »بندقية النظام« حتي يستطيع أن يرد الجميل لسوزان مبارك بعد أن دخل إليها من مدخل الناشر المهضوم حقه، تعقب مواعيد حضورها في كل المناسبات الخاصة بالعروض الثقافية وكل مرة يفشل في الحديث معها، إلي أن فكر في طبع عدة كتب فاخرة خاصة بأدب الأطفال وعرضها في معرض تفتتحه قرينة الرئيس، وعندما رأت المطبوعات ذهب إليها متودداً، وبدأ بعد هذا اللقاء رحلة الصعودة، ودخل إلي عالم البيزنس من خلال طباعته لسلسلة من »القواميس« الشهيرة حتي تم تعيينه مديراً لهيئة قصور الثقافة وسط اعتراض الأدباء والمثقفين، وعندما وجد الغضب يجتاحهم أخذ يلوح بعلاقته القوية برئاسة الجمهورية حتي يستطيع اخماد ثورة الغضب، ولم يلبث »الفقي« حتي تولي وزارة الشباب خلفاً للوزير علي الدين هلال بعد »صفر المونديال«، ولم يلبث طويلاً في الوزارة حتي طلب حقيبة وزارية أخري، فقامت سوزان مبارك بترشيحه لوزارة الإعلام خلفاً للمخضرم صفوت الشريف الذي تربع علي عرش الإعلام لنحو ربع قرن وكانت ضربة قوية موجهة إلي صدور »الحرس القديم« وذلك تدعيماً لسلطة »الهانم«.
آخر تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات أكدت وجود إهدار للمال العام بلغ 11 مليار جنيه ونصف المليار في ميزانية اتحاد الإذاعة والتليفزيون وأن المديونية السنوية وصلت إلي 1.9 مليار جنيه، وعندما تم عرضه علي لجنة الثقافة والإعلام بالشعب هالهم حجم تلك الخسائر، وحمل التقرير مفاجآت في سياسة الفقي لإدارة »عزبة« وزارة الإعلام، حيث تم رصد مخالفات منها احتلال المجال الترفيهي المرتبة الأولي من اهتمام الاتحاد في الوقت الذي تأخر فيه الاهتمام بالثقافة والسياسة، وانخفاض نشاط قطاع الإنتاج والتسويق الإذاعي والتليفزيوني، وتدني كفاءة استخدام مستلزمات الإنتاج، إضافة إلي الخسائر الفادحة في مجلة الإذاعة والتليفزيون.
كما لفت التقرير إلي قيام مدينة الإنتاج الإعلامي بتقديم قروض دون فوائد بلغت 54 مليون جنيه وتنازل الاتحاد عن جانب من حقوقه لصالح الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، وتم صرف مكافآت حضور جلسات بلغت 4 ملايين جنيه بقطاع رئاسة الاتحاد، كما رصد التقرير إهدار 10 ملايين جنيه نتيجة الخسائر من إقامة المهرجانات وحفلات للتليفزيون إضافة إلي ضياع حقوق الاتحاد لدي الشركة المصرية الأمريكية يأتي ذلك الفساد في الوزارة بعد الدعم الذي تتلقاه بمبلغ نصف مليار جنيه.
وبرغم تلك التقارير المدفوع بها إلي رئاسة الجمهورية إلا أن الجهات الرقابية لم تحقق في فساد وزارة أنس الفقي.
وطالت الفقي عدة اتهامات بالضلوع في الفساد، منها طلب الإحاطة الذي تقدم به النائب الإخواني السابق حمدي حسن عن تلقي الفقي ساعة هدية قدرها 150 ألف جنيه نظير ظهور هشام طلعت مصطفي في برنامج »البيت بيتك« وذلك إثر الفضيحة التي تفجرت بعد تورط طلعت مصفي في قتل المطربة سوزان تميم، وحاول هشام الدفاع عن نفسه من خلال التليفزيون المصري وتساءل حمدي حسن إذا كان الفقي تلقي هذه الساعة علي سبيل الهدية، فلماذا لا يعلن ذلك؟!.. ورغم مرور عامين إلا أن الفقي لم يتحرك لينفي ذلك عن نفسه، أو يتحرك أحد لنفي الاتهام عن أحد أعضاء النظام الحاكم.
في الوقت الذي شعر النظام فيه بالخطر من الفضائيات والقنوات، قام الفقي بتبني »وثيقة البث الفضائي« التي كانت بمثابة المحاولة الأخيرة لتكميم أفواه تلك الفضائيات، وأخذ الفقي للسيطرة علي الإعلام بدلاً من الدخول في مرحلة تنافسية، بل قام »ترزيته« بتفصيل ملحق لهذه الوثيقة خاصة بالقنوات الفضائية الخاصة ليستطيع التحكم حتي في برامج التوك شوك.
وربما أول اختبار حقيقي تعرض له الفقي كان أحداث ثورة 25 يناير والتي فشل في إدارة تلك الأزمة، وأصبح التليفزيون في »واد« والفضائيات العربية في »واد« آخر، ولم تستطيع دولة بحجم مصر أن تحاول الدفاع أن تصمد أمام قناة »الجزيرة« التي وضعت النظام المصري أمام حجمه الحقيقي وسقط الفقي ووزارته، حيث قاد الوزير أكبر عملية تشويه لصورة المتظاهرين الشرفاء في ميدان التحرير، واتهامهم الدائم بالعمالة لجهات أجنبية وتبني أجندات دولية وإقليمية والنضال مقابل وجبات »الكنتاكي«!