كثر الحديث حول المتحولين أو المتلونين من المشتغلين بالاعلام الذين عملوا بكل جهد واخلاص في خدمة الرئيس المخلوع ومخططاته الاجرامية، والذين سارعوا بعد ان غادر الرجل منصبه الى التحول الى هجائه ومهاجمته وفتح ملفات فساده بجسارة وقسوة لم يصل اليها ضحاياه أنفسهم!.
لم يهاجموه فقط ويشهروا بأسرته وبمعاونيه ووزرائه، وانما حولوا ولاءهم كاملاً نحو من بيدهم السلطة الآن، وأصبحوا يمالئون الثوار ويمتدحونهم ويصفونهم بالطهر والنقاء والابداع والعظمة، وهم الذين كانوا حتى 10 فبراير الماضي سكيناً في خاصرة الثورة وشوكة في ظهر الثوار!.
من السهل وصفهم بأنهم منافقون يعملون في خدمة أي سيد ويأكلون على كل الموائد ويتعيشون من فتات أصحاب السلطة والنفوذ... لكن من الصعب ان تجد من يفسر لماذا هم هكذا ولماذا يفعلون ذلك؟.
وهناك في تفسير المسألة مدارس عديدة أهمها المدرسة التي عزت هذا السلوك الى الحالة المتأخرة من الادمان التي وصل اليها هؤلاء الناس بعد ان قضوا سنوات طويلة يلعقون الأحذية ويمرغون وجوههم في الشباشب!. ومأساة هؤلاء أنهم بعد سقوط الرئيس المخلوع ورجاله وتشريفهم في سجن طرة بحثوا عن الأحذية فلم يجدوها وعندما أتى وقت الجرعة لم يجدوا ما يلعقونه فانتابتهم حالات من الحساسية والهرش وظهرت على بعضهم أعراض الحزن والاكتئاب وأخذوا يتصببون عرقاً غزيراً ومنهم من أصيب بقيء واسهال.. نفس حالة عتاة مدمني المخدرات عندما تغيب عنهم المادة.
ومأساة بعض هؤلاء أكبر من مأساة الباقين.. فالذين كانوا يكتفون بتقبيل الأحذية مشكلتهم الادمانية أقل من أولئك الذين كانوا يلعقونها!.
غير ان الجديرين بالاشفاق حقاً هم هؤلاء الذين تعمقوا في دنيا الكيف ووصلوا الى شم أصابع الأقدام واستنشاق بخارها.. هؤلاء زاغت أبصارهم وأخذوا يهلوسون وهم يدورون حول أنفسهم في هستيريا بعد افتقادهم للصنف، والأصعب من هؤلاء هم الذين أوغلوا أكثر فأدمنوا شم أصابع أقدام رجال السلطة ليحصلوا منها على مزاجهم وحتى يتوازنوا نفسياً.
هذه هي حالتهم كما أتصورها وهم كما نرى ليسوا جميعاً على نفس الدرجة فمنهم الخسيس ومنهم الدنيء ومنهم من بين هذا وذاك، لكن يجمع بينهم اعتيادهم على الكيف القذر.
وعلى الرغم من قسوة التشبيه في الصورة السابقة فانها في اعتقادي لم تبتعد كثيراَ عن الواقع، فهناك من البشر مدمنون على شم بعض المواد الكيماوية مثل مادة «الكلة» التي يستخدمها صناع الأحذية للصق أجزاء الحذاء، وهناك من يدمنون شم مادة الغراء التي يستخدمها النجارون وهناك من يدمنون شم مادة «الدوكو» المستخدمة في رش وطلاء السيارت... وكل ما سبق على شذوذه وغرابته يجد جمهوراً كبيراً من المدمنين الذين قد يرهن الواحد منهم حياته وشرفه مقابل جرعة واحدة!.
ولهذا فانني أميل الى تصديق أصحاب التفسير المتعلق بادمان لعق الأحذية وأراه يناسب أولئك الاعلاميين الذين انقلبوا بين عشية وضحاها من فرسان في كتيبة مبارك وسوزان وعلاء وجمال ومعهم صفوت وزكريا ونظيف وسرور والعادلي.. الى فرسان في كتيبة من أسقطوهم.. اذ ليس من المعقول ولا من المتصور ان كائناً بشرياً طبيعياً يظل لسنوات طويلة يقبل يدك كل صباح ثم يأتي فجأة في أحد الأيام فيعض نفس اليد وينهشها الا لو كان واقعاً تحت ضغط رهيب، وليس أشد هولاً من ضغط الادمان على أصحابه الذين تطلعوا حولهم فوجدوا أناساً آخرين.. مختلفين حقاً، لكن أحذيتهم تفي بالغرض وتحمل نفس الجرعة وتقدم العوض عن الأسياد الراحلين.. فأقبلوا عليها وأشبعوها شماً وتقبيلا.
غير ان بعضهم على الرغم من الاعتياد على الوضع الجديد مازال يحن لأصابع أقدام أفراد العصابة خصوصاً من كان يعاني منهم من الهربس والاكزيما والتعفن الرمّي!.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية: