خلصت لجنة تقصي الحقائق في أحداث إمبابة، التي
شكلها "المجلس القومي لحقوق الإنسان" إلى أن تلك الأحداث التي أسفرت عن
سقوط 12 قتيلاً وأكثر من 200 جريح جاءت نتيجة سياسات النظام السابق، الذي
يتحمل المسئولية عن المناخ الطائفي على مدار أربعة عقود، والذي لا تزال
آثاره وتفاعلاته لا تزال مستمرة حتى اليوم، ملقيًا أيضًا بالمسئولية على
محاولات قوى النظام السابق لإفشال الثورة عبر إثارة كل أشكال الصراعات
والصدامات بالمجتمع المصري وبين طوائفه وقواه.
وأكدت اللجنة في
تقريرها خلال مؤتمر صحفي الأربعاء، أن الصدام وقع بمنطقة إمبابة بدأ
طائفيًا عندما تجمع مجموعة ترتدي جلاليب وملتحون يعتقد أنهم من السلفيين،
بالإضافة إلى بعض المواطنين من سكان المنطقة حول كنيسة مارمينا، بحثًا عن
سيدة قيل إنها محتجزة فيها وهو ما لا يعطيه لهم أي قانون أو عرف.
وأضافت
إنه أثناء هذا التجمع غير القانوني وغير المبرر حول كنيسة "مارمينا", حدث
إطلاق للنار حول المتجمهرين قالت إنها لم تتأكد من مصدره وسوف تظهره نتائج
التحقيقات الجنائية, مما أدى لحدوث حالة من التدافع والهياج الجماهيري
والصدام ترتب عليها استخدام العنف والأسلحة النارية والبيضاء والحجارة و
سقوط عدد من القتلى والجرحى.
وأشارت إلى أنه على أثر ما حدث تواصلت
وامتدت الأحداث إلى كنيسة السيدة العذراء التي تبعد حوالي 2 كيلو متر
مترافقة مع نداءات تحريضية بالتوجه إلى كنيسة السيدة العذراء وإحراقها وفي
هذه الأثناء تدافع "بلطجية" نحو شارع الوحدة الكائن به كنيسة السيدة
العذراء حاملين أسلحة نارية "فرد خرطوش – أسلحة بيضاء" مطلقين أعيرة نارية
في الهواء لإبعاد المواطنين وإثارة الذعر.
وقالت إن المواطنين الذين
تجمعوا أمام الكنيسة انقسموا إلى مجموعتين, عملت الأولى على الحيلولة دون
تدخل المواطنين لحماية الكنيسة عبر إطلاق أعيرة نارية, بينما قامت الثانية
باقتحام الكنيسة وإشعال النيران فيها و أحرقتها بالكامل.
وخلصت
اللجنة التي رأسها محمد فائق نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان وضمت
في عضويتها كلا من جورج إسحاق وحافظ أبو سعده وسهير لطفي وسمير مرقص وضياء
رشوان وعمرو حمزاوى وناصر أمين، بالإضافة إلى عدد من الباحثين القانونيين
بمكتب الشكاوى، إلى عدد من الاستنتاجات، أبرزها حالة الغياب الأمني الواسعة
والتي أعطت أدوارًا متصاعدة للخارجين عن القانون وانتشار الأسلحة بشكل غير
قانوني بين أيدي المواطنين.
كما أرجعت تلك الأحداث إلى تفسيرات
دينية متطرفة تطرح إعادة تشكيل المجتمع المصري بما يدع المواطنين المصريين
من المسيحيين خارجه، باعتبارهم "ذميين" ليس لهم حقوق إلا حق الحماية
الدينية، وقد استشرت هذه التفسيرات لدى بعض شرائح المجتمع في الفترة
الأخيرة جراء الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام المرئية، على حد قولها.
وأشارت
أيضا إلى تصاعد وتعدد محاولات قوى النظام السابق لإفشال الثورة عبر إثارة
كل أشكال الصراعات والصدامات فى المجتمع المصري وبين طوائفه وقواه، بإظهار
أن الثورة هي التي تسببت فى حالة الانهيار الأمني.
ولفتت إلى أنه
بالرغم من حالة الاندماج التي خلقتها الثورة بين المصريين من مسلمين
ومسيحيين إلا انه لا يمكن إنكار أن هناك مناخًا طائفيًا متراكمًا على مدار
أربعة عقود، مازالت أثاره وتفاعلاته مستمرة حتى اليوم، وقد تمت معالجة هذا
الملف من جانب السلطات العامة خلال هذه العقود باعتباره ملفًا أمنيًا
عرفيًا ولم يتم استخدام الوسائل السياسية ولا الاجتماعية ولا القانونية فى
نزع جذوره والتوصل لحلول حقيقية له.
وقال التقرير إنه على هذه
الخلفية وهذا التراكم اندلعت أحداث إمبابة ومن قبلها أطفيح وقنا وأبو
قرقاص، بما يؤكد الحاجة إلى معالجة الملف الإسلامي المسيحي بمنهج مختلف عما
اتبعه النظام السابق والذي أدى إلى هذه الكوارث.
وفيما يتعلق
بخصوصية مسرح الأحداث، قال التقرير أن منطقة إمبابة محل الأحداث الأخيرة
تتميز بالعديد من الخصائص أبرزها غلبة الطابع العشوائي، وغياب الخدمات
الأساسية والاكتظاظ السكاني الكثيف، وانتشار البطالة وغياب السلطات العامة،
وذلك بالنسبة لعموم سكان المنطقة من مسلمين ومسيحيين، وهذا السياق
الاجتماعي سهل من سرعة الاصطفاف الديني بمجرد سريان شائعة تتعلق بالشرف أو
الدين أو كليهما، وهو ما توافر بوضوح أثناء الأحداث الأخيرة.
وأوصى
تقرير لجنة تقصي الحقائق بضرورة الإسراع بالقبض على المتورطين فى ارتكاب
جريمة إمبابة وغيرها من الجرائم الطائفية، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات،
وتقديمهم لمحاكمة عاجلة تتوافر فيها قواعد المحاكمات العادلة والمنصفة
تأكيداً لقدرة المؤسسات القضائية الوطنية على توفير الحماية لجميع
المواطنين المصريين دونما تمييز.
وقال المجلس القومي لحقوق الإنسان
إنه ملتزم بمتابعة الإجراءات القانونية المتخذة في هذه الأحداث منذ اللحظة
الأولى بإلقاء القبض على المتهمين مرورًا بالتحقيقات وانتهاء بالمحاكمات،
وقرر في هذا الصدد تعيين مفوض خاص من أعضائه لمتابعة أحداث التوتر الديني،
وسرعة التعامل معها.
وطالب بضرورة التأكيد على سيادة القانون وسيادة
دولة المؤسسات وإن مؤسسات الدولة هي المعنية بتنفيذ القانون وإعماله دون
الأفراد أو الجماعات، وطالب بالإسراع فى تنفيذ خطط التواجد الأمني فى
البلاد خاصةً بالمناطق العشوائية والمهمشة من أجل عودة الانضباط وتكثيف
حماية دور العبادة.
ودعا المجلس إلى ضرورة إصدار تشريع لمكافحة
الطائفية أو التمييز على أساس الدين، منوها إلى توصياته السابقة لمعالجة
الكثير من الجوانب المتعلقة بالملف الطائفي، وفي مقدمتها قانون دور العبادة
الموحد وقانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز وغيرها من التوصيات التي تتعلق
بنشر ثقافة حقوق الإنسان وقيم التسامح والقبول بالآخر.
واستندت لجنة
تقصي الحقائق في تقريرها إلى إجراء عدد من المقابلات مع شهود العيان ورجال
الدين المتواجدين بإمبابة والمصابين المتواجدين في مستشفيات بمنطقة إمبابة
وغيرها من المستشفيات، كما جمعت عددًا من المقذوفات التي استخدمت أثناء
إطلاق النار خلال الأحداث، وتم توثيق مشاهدات اللجنة بالتصوير الفوتوغرافي
والتسجيل الصوتي ومقاطع فيلمية.