بعد معاناة دامت أكثر من عشرين عاماً لـ637 ألف مصرى من أصحاب الحوالات الصفراء، الذين كانوا يعملون فى العراق وتجمدت مدخراتهم مابين القاهرة وبغداد، بسبب حرب العراق والكويت وأيضاً بمساهمة سياسة النظام المصرى السابق، الذى ربط مستحقات العمال بديون أخرى لدى العراق.
ظهرت من جديد بارقة أمل فى استعادة تلك الأموال، التى تقدر بنحو 600 مليون دولار، حيث سيتم الاتفاق مع الجانب العراقى فى استعادة تلك الأموال التى تعتبر حقاً للمصريين الذين عملوا فى العراق، ولابد من فصلها عن الديون الأخرى المعلقة بين البلدين، وإنهاء الموضوع الذى ظل معلقاً طيلة العشرين عاماً الماضية.
الحكاية بدأت بعد توقف بنك "الرافدين" عن سداد ودفع قيمة الحوالات الصفراء، والتى كان معمولا بها فى العراق قبل عشرين عاماً، حيث كان هناك نظام خاص لقيام العمال المصريين فى العراق بتحويل أموالهم لمصر، بموجب ما يسمى بـ"الحوالة الصفراء"، وهذا النظام فرضته الحكومة العراقية السابقة وارتضاه العمال، سواء المصريين أو من باقى الجنسيات الأخرى، ونتيجة الظروف التى مرت بها العراق توقف بنك الرافدين عن سداد قيمة هذه الحوالات، والتى تم تقديرها مبدئيا بنحو مبلغ 460 مليون دولار قيمة مستحقات العمال المصريين فى العراق عن سنوات عملهم هناك، والتى يستحقها العمال أو ورثتهم أو أسرهم، فى أطول قضية معاناة عمالية.
محاولات بائسة من الحكومة المصرية السابقة فى استعادة تلك الأموال باءت جميعها بالفشل، آخرها لوزيرة القوى العاملة السابقة عائشة عبد الهادى، فقد أعلنت خلال توليها الوزارة أن الجانب العراقى، والذى يمثله "بنك الرافدين"، حاول إحياء نشاط البنك مرة ثانية فى مصر، لكن اشترطت الحكومة المصرية عليه سداد مستحقات العاملين المصريين بالعراق أولاً، وسداد قيمة الحوالات الصفراء المتأخرة وبعد مفاوضات شاقة تفهموا وجهة النظر المصرية، حسبما ذكرت الوزير السابقة، وضرورة القيام بالسداد أولاً، وهى الورقة كانت محاولة للضغط على الحكومة العراقية كى يتم السماح لهم بالعمل مرة أخرى فى القاهرة.
ودارت مفاوضات واتصالات عديدة بين الجانب المصرى والعراقى بهذا الشأن، حتى تم التوصل لاتفاق بسداد 460 مليون دولار على مدى زمنى قدره أربع سنوات من وقت الموافقة عليه، على أن تشارك مصر فى إجراءات الصرف طوال هذه الفترة، خاصة أن الجانب العراقى حاول المشاركة، وطالب بأن يتولى هو التفاوض مع العمال وأصحاب الحقوق، بدعوى أن كثيراً من العمال المصريين وأسرهم كانوا يترددون على مقر البنك بالدقى، وطلب البعض منهم فى وقت سابق أن يحصل على 10 % أو 20 % فقط من قيمة مستحقاته، ولكن البنك كان وقتها يرفض السداد، وحاولوا أن يتم رد المبالغ بنفس النسبة، أى لا تزيد على 20 %، ولكن تمسكت مصر بسداد كافة الحقوق، ورفضت ترك العمال فريسة للتفاوض مع البنك.
ما ذكرته الوزيرة كان مجرد تصريحات أطلقتها فى الهواء لم يتحقق منها شىء، وهو ما كشف عنه نصار الربيعى، وزير العمل والشئون الاجتماعية بجمهورية العراق، فى تصريحات صحفية له على هامش مؤتمر العمل العربى الـ38 المنعقد بالقاهرة، بأن حقوق العمال المصريين لا جدال فيها، وأن العراق يقر تلك الحقوق، مؤكداً أن سبب تأخير صرفها يعود لحكومات النظام السابق، التى أصرت على ربط أموال الحوالات الصفراء بالديون المستحقة لمصر على العراق، مؤكداً على الرغبة القوية لدى العراق فى الإسراع بتسديد مستحقات العمالة المصرية.
وأضاف أن أصل الدين العراقى لمستحقات العمالة المصرية لدى العراق يبلغ 408 ملايين دولار، بينما تبلغ الفوائد المستحقة عليها 544 مليون دولار، وبذلك يصبح إجمالى الدين 952 مليون دولار، مشيراً إلى أن المشكلة تتعلق بالفوائد، حيث تحتاج إلى حوار ومناقشات حول الجوانب الفنية بين البلدين، فى الوقت الذى يمر به العراق بأزمة اقتصادية، وليس لديه سوى سلعة واحدة للتصدير هو البترول.
من جانبه، قال الدكتور أحمد حسن البرعى، وزير القوى العاملة والهجرة، إن الحكومة المصرية اقتربت من التوصل إلى حل لهذا الموضوع، مشيراً إلى أن هناك لجنة ستزور بغداد قريباً لتوقيع اتفاق فى هذا الصدد، لافتا إلى متانة العلاقات بين البلدين، وأن العمالة المصرية تعمل فى وطنها العراق الذى يحتاج إليها.
وأضاف أن إجمالى عدد الحوالات الصفراء للعاملين المصريين يصل لنحو 625 ألف حوالة، بقيمة إجمالية تصل إلى 600 مليون دولار، وأن حقوق العمال المصريين خط أحمر، مشيراً إلى أنه ناقش مع نزار الخير الله، السفير العراقى بالقاهرة، هذه المستحقات المعلقة وأن يتم فصلها عن باقى الديون الحكومية الأخرى المعلقة بين البلدين فى ظل اعتراف عراقى بعدم وجود خلاف عليها، حيث كان هناك ربط بين الاثنين فى ظل الحكومة المصرية السابقة.
ومن جانبه قال السفير العراقى، إن مستحقات العاملين المصريين ليس عليها خلاف، لأنها تمثل سنين من العمل ولا يمكن لأحد إنكارها، لكن السبب فى التأخير قيام الحكومة المصرية السابقة بربط المستحقات بالديون الأخرى لمصر لدى العراق.