أضفى القادة العرب مسحة من الكوميديا على الثورات العربية، فلا تكاد ترى الأخ العقيد القذافي قائد الثورة الليبية، أو خالد الذكر علي عبد الله صالح، على شاشة الفضائيات هذه الأيام، حتى تنتابك حالة من الضحك، وكأنك تشاهد لأول مرة عادل إمام في 'مدرسة المشاغبين'، أيام كان مشخصاتي مجتهدا وقبل أن يعيش في دور الزعيم.
لعلها فضائية 'موجة كوميدي'، التي تعاملت مع حالة الزعيم الليبي، على أنها تمثل لوناً من الكوميديا السياسية، التي تغنيك عن القراءة لعشرات الكتاب الساخرين، أو مشاهدة عشرات الأعمال الفكاهية، فالزعماء العرب، جعلوا الضحك بالمجان، ومن دون أن تكلف نفسك قيمة تذكرة المسرح، على قاعدة 'بختك يا أبو بخيت'، لاسيما أننا نعيش حالة من نضوب الأفكار الساخرة، التي تصلح للمسرح الضاحك.
في الأسبوع الماضي استيقظت ذات يوم على 'نشرة الأخبار'، وفي العادة فإنني أبدأ بقناة 'الجزيرة'، ومنها انتقل إلى ' فرانس 24'. والأخيرة تعد بالنسبة لي اكتشافاً، للأداء المهني الوقور، وللحناجر الذهبية التي تذكرني بزمن السمن البلدي، والتي تجمع بين الهدوء والقوة في نفس الوقت.. استمع إلى مذيعات هذه الفضائية، ثم استمع الى صوت منى الشاذلي المخنوق، المتدافع من أعماق معدتها، لتقف على الفرق، فالضد يظهر حسنه الضد.
اهتمت 'نشرة الأخبار' في هذا الصباح بخبر ضحايا الاعتداء الغاشم الذي وقع ضد الثوار اليمنيين.
في يوم 'جمعة الغضب' وعندما سقط أحد الشباب أمامي برصاص أجهزة الأمن، تملكني يقين بأن نظام حسني مبارك سقط، وبقي أن يرحل إلى 'جدة'، التي قال عبد الباري عطوان في لقاء تلفزيوني انها أصبحت (مكباً) للديكتاتوريين العرب، لكن صاحبنا كابر بعد ذلك، وأصر على أن يقيم في شرم الشيخ، بعد وعد ممن لا يملك لمن لا يستحق بعدم محاكمته، قبل أن يحمل الثوار القوم على محاكمته، ولو ذهب إلى هناك لكان قد أراح واستراح.
وعلى ذكر الشهداء، فقد علمت في يوم 'جمعة الغضب' بأمر شهيد آخر سقط على الأرض، وقبل أن ترتفع روحه للسماء، طلب من صديقه ألا يشغل نفسه به، وان عليه أن يتركه وأن يواصل المسيرة. كأننا كنا في غزوة من غزوات الصدر الأول للإسلام.
لا ادري لماذا لم أكن على درجة سمو هذا الشهيد في هذا اليوم، إذ كنت مشغولاً بمصير جثماني الطاهر، وعندما شعرت بأن روحي تكاد أن تفارق جسدي من جراء القنابل المسيلة للدموع، التي تبين أنها فاسدة، ولم تصلح معها 'الوصفة التونسية'، استبشرت خيراً عندما وجدت زميلي جمال أبو عليو الصحافي بجريدة 'الكرامة' بجانبي، وقد أغراني طوله لان اطلب منه ما طلبت، وهو في قامة بشار الأسد، فقد اطمأن قلبي ثم سرعان ما تبددت الطمأنينة.
لا تتركني يا جمال، لو وقعت احملني..
وصدمني رده وهيئته: لقد استندت الى حائط مائل يا ريس!.
وفي المحنة اختلط الضحك بالسعال، لرده ولأنه كان في وضع بائس أيضاً!
حافي القدمين
لقد تعرضت لحالة اختلاط المشاعر هذه، وأنا أشاهد الدم اليمني المراق، والثوار الذي تعرضوا لقصف عنيف من قبل قوات أمن النظام، وقد تعرض بيت الزعيم الأحمر للاعتداء، وقال الرجل انه سيخرج علي عبد الله صالح من اليمن حافي القدمين رداً على تلك المجزرة.
كان الحزن قد أحاط بي وأنا أشاهد مشهد جنازات الشهداء، ومشهد المصابين في المستشفى، فشلت في منع دموعي من أن تسقط، لكني في الوقت نفسه أيقنت أن الدم الذي روى الأرض في اليمن هو بشارة النصر، تماماً كما كان الحال في مصر. وفي هذه اللحظة طل علينا المهيب علي عبدالله صالح فضحكت، أنه بالنسبة لي وبدون أن يتكلم أكثر ظرفاً من الأخ العقيد معمر القذافي صاحب العبارة التاريخية: 'دار دار.. بيت بيت.. زنقة زنقة'.
على ذكره فهناك نكتة شائعة تقول إن أحد التونسيين أبدى حزنه لأن الرئيس زين العابدين بن علي جاء بعد ثلاثة وعشرين عاماً من الحكم ليقول لشعبه: 'فهمتكم.. فهمتكم'، كان أسف التونسي لهذا الفهم المتأخر، لكن صديقه الليبي قال له إن على التونسيين أن يحمدوا الله، فهم بعد أكثر من أربعين عاماً جاء قائدهم ليقول لهم: ' من أنتم'؟
مللت من متابعة الشأن اليمني، فالرئيس علي عبد الله صالح يتقلب موقفه تقلب الليل والنهار، مرة يقول انه سيتنحى، ومرة يقول انه لن يتنحى، وتارة يقول انه سيكمل دورته، وتارة يقول انه سيغادر قبل أن يكمل دورته. في الصباح هو مع المبادرة الخليجية، وبعد الظهر هو ضدها، وبعد العصر سينقل صلاحياته لنائبه، وقبل أن يأوي إلى فراشه يعلن انه باقي ويا جبل ما يهزك ريح!
والعبد لله ليس لديه فائض من عقل ليبدده في تتبع موقف علي عبد الله صالح.
في الأسبوع الماضي كنت قد أشدت بالحالة اليمنية، التي بدا فيها الطرفان حريصين على عدم إراقة الدماء، وبعد ثلاثة أيام على النشر كانت هذه المجزرة ضد الثوار.. عين وأصابت أهل اليمن، ومن المؤكد أنها عيني!.
كنت أقارن الحالة السورية بالحالة اليمنية، فإذا بالأحداث تثبت أن الحال من بعضه، وأنه لا فرق بين الرئيس السوري والقائد اليمني، إلا في التفاوت بين القامتين، وعندما اختار الرئيس المخلوع حسني مبارك أحمد نظيف رئيسا للوزراء بدون مبرر موضوعي، قال أحد الأصدقاء إن مبرر الاختيار، حتى يقول للرئيس السوري أن عليه أن يتوقف عن المباهاة بطوله، فلدينا من هو أطول منه.
وحتى لا نظلم علي عبد الله صالح، فلابد من الاعتراف بأن هناك اختلافاً في الدرجة بين ما يحدث في اليمن وما يحدث في سورية.
تقاليع النظام السوري
يتردد أن العلاقة بين 'الجزيرة' وسامي حداد انتهت الآن، بعد أن ظل في البيت أكثر من سنتين في انتظار الرضا السامي.. الاخواني بطبيعته تزرعه يخلعك!.
آخر تقاليع النظام السوري هو ما فعله مع رولا إبراهيم، لم أكن اعلم أن هذه الجميلة من سورية، وهي على نفس خط إنتاج إيمان عياد الجمالي، فلأن أهل الحكم في سورية يضغطون على السوريين الذين يعملون في الفضائيات المعادية ليستقيلوا، لأسباب غير مفهومة، ربما ليكونوا في حكم من أراد أن يغيظ زوجته فأخصى نفسه.. فقد طلبوا من رولا ذلك ورفضت.
هناك حملة على الانترنت ضد المتغيب فيصل القاسم تطالب بسحب الجنسية السورية منه، وكأنها منحة من الرئيس بشار وكأن جنسيات الأوطان مكرمة من الحكام. والمستهدف من هذه الحملة أن يستقيل فيصل القاسم، ونصيحتي له أن يقدم استقالته ليوقف هذه الحملة، لأن النظام السوري سقط عند أول قطرة دم أراقها، وبقي إعلان سقوطه رسمياً، وهذا الإعلان سيكون كاشفاً لا منشئاً لهذا السقوط.
لكن تبدو المشكلة أنه إن فعلها فيصل، فسيعتبرها القادة الجدد للجزيرة رمية بغير رام، ولن يرجعوا فيها بعد ذلك.
النظام السوري تجاوز كل الخطوط الحمر في التعامل مع الإعلاميين، وهو صاحب تقاليع جبارة في مجال انتهاك الحقوق والحريات، وقد سبق أن نكل بأحد ضيوف الاتجاه المعاكس بدون تهمة، إلا لأن مناظره تطاول على الرئيس السوري ليحرجه ويهزمه بالقاضية، كما تطاول على صاحبة العصمة السيدة حرمه، ولم يكن هناك مبرر لهذا الهجوم المفتعل.
ومن قبل تم اعتقال احد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، وكانت التهمة مسخرة من العيار الثقيل، وهي انه تسبب في 'إضعاف نفسية الأمة'.. إنسان واحد اضعف نفسية أمة كاملة، يا له من ساحر جبار.
رولا إبراهيم فعلوا معها ما كان يفعله جهاز الأمن المصري في السنوات السوداء التي مرت على البلاد، عندما كان يقوم بتصفية عناصر الجماعات الدينية، وفي اليوم التالي تصدر الصحف الحكومية وهي تحمل براءة أهله منه، ودائما يأتي المنسوب للام هو عبارة واحدة متكررة، فهي قالت: 'قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين'، طبعا لأن ابنها خان الوطن، المتمثل في حسني مبارك ونجله جمال.
لقد قيل ان أسرة رولا أعلنت براءتها منها، لأنها رفضت الاستقالة من قناة 'الجزيرة'، وهو أمر في حال صحته يدين النظام السوري، ويؤكد أن استمراره في الحكم هو خيانة لكل القيم الإنسانية، فمن المؤكد أن إعلان البراءة يأتي تحت تهديد السلاح.
مما تردد أنه تم إضرام النيران في منزل الزميلة رولا على يد البلطجية او الشبيحة، وهذا الصنف من البشر تقوم أنظمة الاستبداد العربي بتربيته، واستخدامه في تزوير الانتخابات وفي الاعتداء على المعارضين، ولا يمكن أن يقوموا بهذه الخطوة إلا بتحريض من النظام.
ولا شك أن النظام السوري بما فعل تجاه الإعلاميين العزل، يجعل من حق النظام اليمني أن يقاضيني إذا قارنته به.
'سيهزم الجمع ويولون الدبر'.
أرض جو
عندما تقوم ثورة في مبنى التلفزيون المصري ضد برنامج حافظ المرازي الذي يمثل اسمه إضافة لهذا التلفزيون 'الكل على مولاه'، فان هذا يدين الثائرين، الذين قالوا إن اعتراضهم عليه مرده إلى انه 'وافد'، وحافظ اسمه كالطبل، والمعترضون عليه ليس لهم إنجاز مهني على أي صعيد.
برنامج يسري فودة على قناة ' اون تي في' هو وجبة يومية دسمة، يقدمها إعلامي متمكن من أدواته، وعيبه الوحيد هو المدة الزمنية التي تتجاوز في كثير من الأحيان الساعتين، ولهذا فلم أشاهد حلقة منه كاملة، ففي منتصف كل حلقة أصارع النوم فيصرعني.
رئيس القنوات المحلية في مصر قرر أن يقتصر عمل المذيعات المحجبات على برامج الأطفال، والغريب أن المذكور هو من مخلفات العهد البائد، وهو إفراز طبيعي لعهد صفوت الشريف.. لماذا لا يزال في موقعه حتى الآن؟!
سليم عزوز
صحافي من مصر
نقلا عن القدس العربي