[size=9]
بالتأكيد من حق عمرو موسى امين عام الجامعة العربية ان يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة المصرية، ومن حقه ان يدشن حملة اعلامية واسعة لعرض رؤيته وبرنامجه، لكن ليس من حقه ان يقدم نفسه بوصفه مناهضا للرئيس السابق أو معارضا لنظامه، فقد كان ببساطة واحدا من رجال مبارك المقربين!
لم يختلف عمرو موسى يوما مع حسنى مبارك، بل على العكس كانت العلاقة بينهما سمنا على عسل، ويكفي ان مبارك هو الذي اختاره مندوب مصر الدائم في الامم المتحدة في عام 1990، وهو الذي عينه وزيرا للخارجية في عام 1991 وقد استمر في هذا المنصب عشر سنوات كاملة، وهو الذي رشحه امينا عاما للجامعة العربية في عام 2001 وخاض معركة كبيرة لانتخابه في مواجهة عواصم عربية عديدة.
ولم يكن صحيحا ان مبارك اطاح بعمرو موسي من الخارجية خوفا من شعبيته الجارفة على نفسه او على نجله جمال، بدليل انه رشحه امينا عاما للجامعة العربية وهو منصب أعلى، ولم يضعه قيد الاقامة الجبرية او يفرض قيودا على تحركاته كما فعل مع المشير محمد عبد الحليم ابو غزالة أو الدكتور كمال الجنزوري، والمؤكد ان موسى غادر الخارجية بعد ان قرر مبارك اسناد ملفات السياسة الخارجية لرئيس المخابرات العامة عمر سليمان.
من حق عمرو موسى ان يخوض انتخابات الرئاسة، لكن لا يجوز له ان يتبرأ من مبارك ونظامه، فقد كان واحدا من اعمدة هذا النظام حتى تنحي الرئيس السابق في 11 فبراير الماضي، وحسب ما تضمنته احدى وثائق جهاز امن الدولة التي اكتشفت مؤخرا فقد كلفته مؤسسة سيادية كبيرة يوم 7 فبراير الماضي بالتوجه الى ميدان التحرير لاقناع المتظاهرين بوقف الاحتجاجات.
لم يذهب الرجل الى ميدان التحرير حسب وثيقة أمن الدولة دعما لثورة 25 يناير، ولا تنديدا بممارسات حسني مبارك، ولا اعتراضا على مشروع توريث مصر لجمال مبارك، ولا شجبا لنهب المال العام وانتهاك حقوق الانسان، انما ذهب بتكليف رسمي في مهمة رسمية لاقناع المتظاهرين بالعودة الى منازلهم وذلك قبل اربعة ايام من تنحي الرئيس السابق!
وكان هذا طبيعيا فكل مواقفه السابقة كانت مؤيدة للنظام السابق ، لم يوجه الرجل كلمة نقد واحدة لمبارك طوال الثلاثين عاما الماضية، ولم يعارضه في قضية واحدة سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، وكان من الطبيعي ان يكافأه مبارك بكل المناصب السابقة بل ويقف بقوة وراء إعادة انتخابه امينا عاما للجامعة العربية في عام 2006.
لا يختلف احد على الشعبية التي حققها عمرو موسي خلال توليه وزارة الخارجية، لكن شعبيته استندت الى تصريحات صحفية غازلت المشاعر القومية، دون ان يتبعها باجراء عملي واحد ضد اسرائيل، فهو لم يطلب من موقعه كوزير للخارجية تجميد العلاقات ولا سحب السفراء ولا خفض التمثيل الدبلوماسي ولا وقف التطبيع المجاني، ولم يحاول الاعتراض على مواقف مبارك أو الاستقالة من منصبه ابراء لذمته امام الشعب والتاريخ.
بالطبع تراجعت شعبية الرجل بعد ان اصبح امينا للجامعة العربية، فما كان يقوله حين كان وزيرا للخارجية لم يعد بوسعه الاعلان عنه، وحتى مواقفه المثير للاعجاب كانسحابه لمدة دقيقة من قاعة الامم المتحدة أثناء القاء مندوب اسرائيل لكلمته لم تتكرر في مؤتمرات القمة العربية أو اجتماعات الجامعة العربية، وبدا واضحا انه اصبح حريصا كل الحرص على الاحتفاظ بمنصبه بكل ما يمثله من مزايا وامتيازات.
وباعتراف الجميع لم ينجح عمرو موسي خلال عشر سنوات قضاها في منصبه في حل قضية عربية واحدة، ولم يحقق رغم رحلاته المكوكية بين العواصم العربية اي انجاز علي الصعيد العراقي أواللبناني أو السوداني أو الصومالي، ولم ينجح في تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ولا في انهاء الحروب الاهلية الدائرة في العراق والصومال والسودان.
كما أنه لم يقم باي دور لحل النزاع المصري السوداني حول منطقة حلايب وشلاتين ، ولم يحاول تسوية النزاع بين شمال وجنوب السودان والذي انتهي بتقسيم السودان الى دولتين ولم يتمكن من حل النزاع الدائر في دارفور، وحتى فيما يتعلق بثورة 17 فبراير في ليبيا لم يفعل شيئا لوقف المجازر الدموية التي ترتكبها كتائب القذافي ضد المدنيين غير تنظيم وقفة احتجاجية في ساحة الجامعة العربية.
بالطبع لا يمكن تحميل عمرو موسي مسئولية كل مشكلات العالم العربي، فلم يكن بوسعه القيام بمعجزات في ظل الاوضاع العربية الراهنة، لكن استمراره في منصبه عشر سنوات كاملة يثير اكثر من علامة استفهام، فالجامعة العربية في عهده اصبحت جثة هامدة، والعمل العربي المشترك وصل الى الحضيض، ومع ذلك لم يفكر لحظة واحدة في تقديم استقالته ابراء لذمته امام الشعوب العربية والتاريخ.
من حق الرجل ان يترشح لرئاسة مصر لكن لا يجوز له الحديث باسم الشباب المصري المطالب بالتغيير، فالرجل عمره الان 74 عاما فهو من مواليد 3 اكتوبر 1936 ، ولا اظن ان احدا في هذه السن مهما كانت قدراته وطاقاته يستطيع ان يعبر عن طموحات الشباب، ولا اظن ان مصر تريد العودة فعلا الى عصر الرجل المريض.
عمرو موسي في اعتقادي لا يختلف كثيرا عن حسنى مبارك، وعلاقته بالولايات المتحدة لا تختلف كثيرا عن علاقة مبارك بها، وموقفه من اسرائيل هو نفس موقف الرئيس السابق، ويكفي انه تعهد في حواره الأخير مع القناة الخامسة الفرنسية بالحفاظ على علاقات مصر باسرائيل بكل ما يترتب على ذلك من التزام بالتطبيع وبيع الغاز المصري لإسرائيل.
من حق عمرو موسي ان يخوض انتخابات الرئاسة ، ومن الطبيعي ان يؤيده كل انصار النظام السابق، لكن المطالبين بالتغيير الحقيقي سوف يقولون له "لا" ، لأنه نسخة معدلة من مبارك، ولأنه لا يمتلك ما يقدمه للمصريين غير تغييرات في الشكل وليس في المضمون