لم يكن قرار المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام بحفظ البلاغ المقدم من عشرة محامين لمحاكمة المسئولين عن إصدار ألف ليلة وليلة. انتصارا للدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة التي أصدرت العمل. ولا للروائي الكبير جمال الغيطاني رئيس تحرير سلسلة الذخائر التي صدرت عنها الليالي. ولا للمثقفين والمبدعين فحسب. بل كان انتصارا لمصر كلها في مواجهة قوي الظلام التي تريد سوءا بهذا الوطن.. وإذا كان البعض يتحفظ علي وصف بعض الأحكام أو القرارات ب "التاريخية" فإن أقل ما يمكن أن يوصف به قرار النائب العام هو أنه قرار تاريخي فعلا ستتذكره الأجيال كلها كما نتذكر جميعا حكم محكمة استئناف القاهرة عام 1985 بشأن نفس العمل والذي نعتبره حكما تاريخيا ودليلا علي نزاهة واستنارة القضاء المصري.. وأجمل ما في قرار النائب العام بحفظ التحقيق هو الرأي الفني الوارد بالقرار والذي أكد أن كتاب الليالي ينبيء عن طرائق قدماء الأدباء في التأليف والنظم. كما أنه لم يكتب أو يطبع بغرض خدش الحياء العام. وهو بعد ذلك خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة.
لقد أغلق هذا القرار أبوابا كثيرة للفتن وحمي المجتمع من شطحات أولئك الذين يحاولون تنصيب أنفسهم أوصياء عليه وتحديد ما يقرأ ويلبس ويسمع ويشاهد وربما أيضا ما يأكل.
والغريب في أمر هؤلاء أنهم يصمتون دائما أمام قضايا ومشكلات يجب أن تدفع كل مواطن حريص علي مستقبل وطنه واستقراره إلي أن يثور في وجهها. لكنهم يبحثون عن السهل والذي يصنع "الشو الاعلامي" ليس بوازع ديني أو أخلاقي أو وطني وإنما بوازع البحث عن الشهرة بدليل أنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ولم يتركوا فضائية أو أرضية أو أي وسيلة اعلام إلا أوسعونا من خلالها كلاما عن الأخلاق والفضيلة وضرورة محاكمة المسئولين عن طباعة ألف ليلة وليلة. وعندما تم استدعاؤهم أمام النيابة للتحقيق في البلاغ الذي تقدموا به رفضوا الحضور.
لماذا رفضوا الحضور إذن؟ المسألة ببساطة أنهم حققوا الغرض من بلاغهم وهو "الشو الاعلامي" وهذا يكفيهم وزيادة.
لقد قدم هؤلاء المحامون ببلاغهم أكبر خدمة للثقافة والمثقفين. فحفظ هذا البلاغ قطع الطريق علي محاولات أخري ممكن أن يقوم بها آخرون ضد الأعمال الابداعية. هذا من ناحية. ومن ناحية أخري فقد كان اختبارا عمليا للمثقفين والاعلاميين الذين توحدوا هذه المرة بشكل يدعو إلي الفرح ووقفوا في وجه مثل هذه المؤامرات التي تدبر ضد مصر عموما. ومن ناحية ثالثة فإن قرار الحفظ واعتبار الأمر كأنه لم يكن يعطي للمسئولين المزيد من الثقة والمزيد من الشجاعة لإصدار المزيد من الأعمال المهمة وبصفة خاصة الأعمال التراثية دون خشية من بلاغ يقدمه أو قضية يرفعها بعض طالبي الشهرة.. وقد عبر فاروق حسني وزير الثقافة عن ارتياحه بصدور قرار النائب العام بحفظ هذا البلاغ باعتباره انتصارا لحرية الرأي والتعبير وحفظا للتراث الانساني بشكل عام.
كذلك فقد أشاد د.أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة بهذا القرار الذي ينتصر لحرية التعبير ويؤكد علي حضارة مصر وعراقتها. ويؤكد أيضا علي أن النشر في هيئة قصور الثقافة يسير طبقا لرؤية وخطة محددة تستهدف نشر الثقافة الرفيعة. كما وجه مجاهد الشكر للمثقفين والأدباء من مختلف أنحاء مصر الذين وقفوا وقفة واحدة ضد أي مساس بحرية هذا الوطن. وكذلك الشكر لمؤسسات المجتمع المدني واتحاد كتاب مصر الذي تضامن في بلاغ رسمي مع حق الهيئة في نشر الليالي.
والحق أننا يجب أن نوجه الشكر للدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة والروائي جمال الغيطاني رئيس تحرير سلسلة الذخائر ثلاث مرات.. الأولي علي نشر ألف ليلة وليلة. والثانية علي الشجاعة التي تمتعا بها في مواجهة هذا البلاغ والتي تمثلت في اعادة طبعها امعانا في تحدي قوي الظلام واعداء الاستنارة. والثالثة للاختبار الذي تم لجماعة المثقفين والاعلاميين في مواجهة هذه القوي حيث نجحوا جميعا ودون استثناء في التصدي لمحاولات اثارة الفتن في المجتمع وفرض الوصاية عليه.
الإثنين 14 يونيو - 14:08:33
