المقال دة ارسلة لى الاستاذ انس زكى على الاميل
اقرأ المقال ده أيها الأهلاوي
http://dostor.org/authors/11/910/10/december/31/34208نوارة نجم في الدستور
لا.. لا أتحدث عن لعبة كرة القدم وفنياتها، ليس مجالي، أنا واحدة ست.. أنا عندي برد. لكنني سأتحدث عن "العبد الأسود البواب" كما وصفه جمهور الفريق المنافس!
وقبل أن أبدأ في تحليل الجملة كلمة كلمة، حذاري ثم حذاري أن يقول أحدهم: ما بيحصل في كل حتة في العالم... شوفي أوروبا.
ذلك لأننا:
1- لا نتعامل مع كرة القدم كما يتم التعامل معها في "كل حتة في العالم"، فنحن نعتبر كرة القدم مشروعنا القومي الذي يحل محل النهضة الصناعية/ الزراعية، وتحرير فلسطين، والقضاء على الفقر والجهل والمرض، وتحول المنتخب المصري إلى مصر ذاتها، وتحول حسن شحاتة إلى سعد زغلول. كما لم يسبق في "أي حتة في العالم" أن عقبت دولة، بمسئوليها، عن خسارتها لمباراة كرة قدم بإنها "إهانة للكرامة الوطنية" (وماحدش يقول لي السلفادور وهندوراس.. البلدان كانت بينهما مشكلة بالأساس، ثم إن أيا منهما لم تتحدث عن الكرامة الوطنية وتربطها بكرة القدم). هذه سابقة لمصر "الريادة" ستسجل في دفتر التاريخ ولنظام مبارك براءة الاختراع.
2- انتشار الجريمة لا يعفي من محاسبة كل الضالعين ولو كانوا كل سكان الأرض، ولو بالإدانة وهي أضعف الإيمان. وأقول جريمة، لأن وصف أي إنسان في الكون بـ"العبد الأسود البواب" جريمة عنصرية وخطاب كراهية وطبقية حقيرة.
3- هل نحن أوروبا؟
4- لا أريد أن أسمع جملة "كل حتة في العالم" هذه من أي شخص أبدا مرة أخرى.. أبدا، وإلا رفعت عليه حذاء شيكابالا (وليته كان بحوزته خمسين ألف حذاء ليلقيه على الهاتفين بذلك الهتاف الرخيص الصفيق المجرم). ما حكاية "كل حتة في العالم" بالضبط:
"الفقر في كل حتة في العالم.. شوفوا إفريقيا".
"الفساد في كل حتة في العالم.. شوفوا أمريكا".
"التفاوت الطبقي الكبير في كل حتة في العالم.. شوفوا آسيا".
وأخيرا:
"العنصرية في كل حتة في العالم.. شوفوا أوروبا".
حقا.. إن الدور المنوط بنا كمصريين، حكومة وشعبا، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، حيث تمر البلاد من عنق الزجاجة، أن ندور على "كل حتة في العالم" ونقتطف منها أحط ما فيها، لنكون باقة من أمتع الانحطاط.
هي كل حتة في العالم دي يا ناس مافيهاش أي حاجة عدلة أبدا؟
الأجدر أن نقول مثلا:
ريادات الكفاح ضد الظلم والإمبريالية في كل حتة في العالم.. شوفوا إفريقيا.
نظام اكتشاف المواهب وتنميتها في كل حتة في العالم.. شوفوا أمريكا.
تقديس قيمة العمل، والتأدب في معاملة الآخرين في كل حتة في العالم.. شوفوا آسيا.
تكوين عادة القراءة عند كل مواطن حتى سائقي الحافلات العامة والبنائين في كل حتة في العالم.. شوفوا أوروبا.
ثم إن الأوروبيين عنصريين بالفعل، ولكنهم بيض البشرة بالفعل أيضا.. ما تخلونيش أحرجكم.
همممم.. قال له الجمهور: يا عبد يا أسود.. وكتبوا تحت صورته البيه البواب. الله.. يالفرحتي بكم. إنني أفخر بين الأمم بجمهور الكرة المصري الذي فضحنا قبل ذلك بتنقيط العسل من فمه وهو يقول: البربر الأمازيغ الهمج.. بلد المليون لقيط. كم أشعر الآن بالزهو، وأتيه على جمهور الكرة الكوري الذي نظف الاستاد في ألمانيا قبل أن يتركه (على ما أظن سنة 2006)، مما دفع الحكومة الألمانية لطلب برنامج التربية الذي تتبعه الأم الكورية في تنشئة أطفالها من السفارة الكورية... ماهي دي حتة في العالم برضه، ولا دول مش بني آدمين؟ ترى هل إذا لاعب المنتخب المصري المنتخب الكوري سيهتف الجمهور المصري: يا قصير يا أوزعة يابو عينين ترتر؟
كان بإمكاني تمرير الواقعة، لولا ما سبق وذكرته من العلاقة الفريدة بين المواطن المصري وكرة القدم، حيث أنها كل ما تبقى له من وطنه، ولولا أنني أعلم تمام العلم أن هذه الهتفات العنصرية، بكل صدق وأمانة، تعبر عن اتجاه واسع في الشارع المصري. قلبي يدمى حين أعترف بأن العنصرية متغلغلة في المجتمع المصري، وتشكل اتجاها عاما.
لا خلاف على أن العنصرية بغيضة، وتعبر عن نفسية مريضة، لكن العنصرية المصرية أيضا مبنية على الجهل. يا أسود؟ جرا إيه يا شق اللفت يا ليوناردو ديكابريو منك له؟ أنتم ما بتبصوش في المراية؟
وفوق ذلك، كيف تكون أنت نفسك ضحية العنصرية وتمارس العنصرية على الآخرين؟ العنصريون في الغرب يسبون الملونين بكلمة: "عربي". نعم.. لقد تحولت صفة "العربي" إلى سبة، هذا بخلاف "زنجي الصحراء" أو "زنجي الرمال"، تعبيرين يطلقهما العنصريون على العرب (أنا سامعة واحد من بعيد بيقول احنا مش عرب احنا فراعنة.. فين جزمة شيكابالا؟ الفراعنة ماتوا.. ماتوا.. ماتوا.. وأنت عربي.. عربي.. عربي.. وملون ملون ملون، استفق من أوهامك). المعارضون اليمينيون لأوباما يسبونه بكلمة "يا مسلم". وإن كنت من المشاركين في الهتاف وكنت مسيحيا، فأحب أن أذكرك بـ"كفتس" و"عضمة زرقا". أي أننا بني وطني نقف بالضبط في مرمى سهام العنصرية التي تنهمر علينا من كل حدب وصوب، إن لم يكن لإفريقيتنا، فلعروبتنا، إن لم يكن لإسلامنا، فلمسيحتنا، أو لإننا "عالم ثالث"، إن لم يكن لذلك كله فللوننا، وهذه حقيقة يجب أن يواجهها المصريون: نحن ملونون.. نحن أفارقة.. نحن لسنا بيض البشرة، مش عشان مامتك قالت لك أنت أبيض تصدقها، كل الأمهات يعتقدن في أبنائهن صفات لا وجود لها. إليك المفاجأة: الأتراك يوصفون بأنهم ملونون.
نحن "الذين استضعفوا في الأرض" ولن يمن الله علينا، طالما أننا لا نتقيه حتى في تشجيع كرة القدم، ونتصرف بشكل مرضي لنسقط عقدنا على كل من يمكننا الله منه، فنفعل به ما يفعل بنا، ولا معنى للتحجج بأن ذلك "مجرد ماتش، مالك مكبرة الموضوع؟"، لأن ذلك يعد تهربا من الحقيقة، وتنصلا من المسئولية، نحن نحتاج أن نتنبه في كل لحظة لأنفسنا، وإن كنا نريد العدل والإنصاف فلن نتحصل عليهما إلا بتبني الأخلاق والإنسانية والعدالة في اللهو قبل الجد... ويا بخت من بكاني وبكي عليا، ولا ضحكني وضحك الناس عليا.
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أنه في حال وصول الأحزاب النازية - والتي تشهد صعودا في أوروبا - إلى سدة حكم الدول الإمبريالية، فنحن مهددون في الخارج والداخل أن يخصص لنا حمامات وأماكن يجمع فيها كل الملونين، بداية من "الأسود" وحتى "البني" أو المولد، والذي يبدو وكأنه أبيض، لكنه مختلط بأجناس أسيوية أو إفريقية، وربما تعود سياسة الفصل العنصري والتي بدأت بشائرها تزهر. من سيسمح للدول الغربية بذلك؟ هم.. ونحن، ذلك لأنهم متحكمون في سياسات العالم، وفي أرزاق العباد، وفي الأمم المتحدة، ولن يسعفنا سوى الكفاح والنضال ضد هذه القوى التي تخلع عنا ملابسنا في مطاراتها، فكيف بالله عليك ستتصدى للعنصرية التي تحاصرك في الداخل والخارج وأنت نفسك تمارس العنصرية على شخص ليس هناك فارق كبير بين لون بشرتك ولون بشرته سوى درجة أو درجتين على الأكثر.
ثم.. يا عبد. نعم يا أحرار؟ أريد حرا واحدا من الذين رددوا هذا الهتاف المقزز أن يقص لي ماذا سيفعل أمام ضابط شرطة، لا بل أمين شرطة، لا بل مخبر يوسعه ضربا حتى يلفظ أنفاسه "وسط ذهول المارة" الذين يرون إنسانا يموت على يد مخبر، بينما تمنعهم "حريتهم" من التدخل ولو بكلمة: اتق الله. بالرغم من كثرة عدد "المذهولين". لكن المذهولين يخرجون عن ذهولهم حين يذهبون إلى الاستاد ليرتكبوا كل مرة زلزالا إنسانيا يحدثنا عن حجم الجريمة التي ارتكبها نظام مبارك بحق التكوين النفسي للإنسان المصري. ماذا عن "حريتهم" التي تسوغ لهم ابتلاع إمداد إسرائيل بالغاز، بينما يتضوروع هم جوعا؟ ماذا عن حريتهم التي تقبل البطالة؟ وقطع الأرزاق؟ والتعذيب؟ واتهام النشطاء بـ"معاداة الصهيونية"؟ وتزوير الانتخابات؟ وتجرع الفقر والمذلة تحت حكم "المستبد العادل" ليل نهار؟ العبودية ليست بلون البشرة، ولا حتى بصك العبودية أو ختمها، ولكنها تتحقق بما تقبله نفسك الذليلة من مهانة.
ثم.. يا بواب. هو جدو الباشا الله يرحمه آخر كلمة قالها إيه؟ طعمية.. مش كده؟ هذه أمة يقع 45 بالمائة منها تحت خط الفقر، ويقع 30 بالمائة منها على خط الفقر، أي أن تعداد البوابين فيها يفوق تعداد الأطباء بمراحل، فماذا يعني أن تصف إنسانا بأنه بواب؟ وأيهما السبة؟ هل المقصود إهانة شيكابالا أم إهانة مهنة البواب؟ ماله البواب؟ لا هو متسول، ولا لص، ولا مهرب قروض، ولا محتكر لسلع استراتيجية، ولا متاجر في الأعراض أو الأعضاء البشرية، ومع احترامي لكل مشجعي كرة القدم، قد يكون البواب أنفع وأفيد لسكان العمارة من لاعب الكرة. ماله البواب أنا عايزة أفهم؟ عنصرية وكمان طبقية؟ وطبقية في مصر حيث أكثر من ثلاثة أرباع الشعب ينتمون للطبقة الفقيرة؟
شيكابالا رفع الحذاء على الجمهور وحق له أن يرفعه، بل ويبصق على المرددين لهذه الهتافات. ثم استقال من المنتخب المصري، وليته لا يعود إليه أبدا، روحوا شوفوا لكم واحد أبيض يا أشقر أنت وهو.