ملامح من هجرة المسلمين
1- الاهتمام بقضية النية
"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"
مع أن الهجرة للزواج ليست محرمة، ومع أن الهجرة لإصابة الدنيا الحلال ليست محرمة، لكن هذه هجرة ليست كالهجرة لبناء أمة إسلامية.
هيهات أن يكون الذي ترك كل ما يملك ابتغاء مرضات الله وسعيًا لإنشاء أمة إسلامية ورغبةً في تطبيق شرع الله عز وجل في الأرض، كالذي عاش لحياته فقط، وإن كانت حياتُه حلالًا، إذن قضية النية لا بد أن تكون واضحة تمامًا، وخالصة لله تمامًا.
2- الهجرة الكاملة لكل المسلمين
لم تكن إلا بعد أن أُغلقت أبواب الدعوة تمامًا في مكة، ورأينا أن أبواب الدعوة قد أغلقت منذ ثلاث سنوات، بعد موت أبي طالب والسيدة خديجة رضي الله عنها، ومنذ ذلك التاريخ والرسول صلى الله عليه وسلم يخطط للهجرة، وكان من الممكن أن يكون مكان الهجرة مختلفًا عن المدينة لو آمن وفد بني شيبان أو بني حنيفة أو بني عامر، ولكن الله عز وجل أراد أن تكون الهجرة إلى المدينة المنورة، لكن المهم هنا في هذه النقطة ملاحظة أن الهجرة لم تكن نوعًا من الكسل عن الدعوة في مكة، أو المَلَل من الدعوة في مكة، أبدًا، الدعوة في مكة من أول يوم وهي صعبة، ومع هذا ما ترك المسلمون بكاملهم البلد إلا بعد أن أُغلقت تمامًا أبواب الدعوة، أما إذا كانت السبل للدعوة مفتوحة ولو بصعوبة فالأولى البقاء لسد الثغرة التي وضعك الله عز وجل عليها.
3- الهجرة كانت للجميع
على خلاف الهجرة إلى الحبشة، والتي كانت لبعض الأفراد دون الآخرين، والسبب أن طبيعة المكان وظروفه تختلف من الحبشة إلى المدينة، المسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا يريدون حفظ أنفسهم في مكان آمن حتى لا يُستأصل الإسلام بالكلية إذا تعرض المسلمون في مكة للإبادة، ولم يكن الغرض هو إقامة حكومة إسلامية في الحبشة، بل كان المسلمون مجرد لاجئين إلى ملك عادل، أما الهجرة إلى المدينة فكان الغرض منها إقامة دولة إسلامية تكون المدينة هى المركز الرئيسي لها.
ولماذا تصلح المدينة لإقامة الأمة الإسلامية ولا تصلح الحبشة؟ إن هذا ليس راجعًا إلى عامل البعد عن مكة واختلاف اللغة واختلاف التقاليد فقط، وإن كانت هذه عوامل هامة، ولكن الاختلاف الرئيسي- في نظري- هو أن الاعتماد في الحبشة كان على رجل واحد هو النجاشي الملك الذي لا يظلم عنده أحد، فإذا مات هذا الرجل أو خلع فإن المسلمين سيصبحون في خطر عظيم، وقد كاد أن يحدث ذلك، ودارت حرب أهلية كاد النجاشي فيها يفقد ملكه، فما كان من النجاشي إلا أن يسَّر للمسلمين المهاجرين عنده سبيل الهروب، لا يملك لهم إلا هذا، وكان هذا هو أقصى ما يستطيع أن يفعله فكان الوضع في الحبشة على هذا النحو...
أما في المدينة المنورة فالهجرة لم تكن تعتمد على رجل معين، بل تعتمد على شعب المدينة، أهل المدينة، أنصار المدينة، الجو العام في المدينة أصبح محبًا للإسلام، أو على الأقل أصبح قابلًا للفكرة الإسلامية، ومن ثم كانت الهجرة إلى هناك هجرة جماعية كاملة.
4 - الهجرة لم تكن عشوائية
بل كانت بأمر القيادة إلى مكان معين، وهذا الذي أدى إلى نجاح الهجرة، وقيام الأمة، أما أن يهاجر فلان إلى مكان كذا، ويهاجر آخر إلى مكان كذا، ويتفرق المسلمون، فهذا وإن كان يكتب نجاة مؤقتة للأفراد إلا أنه لا يقيم أمة، وعلى المسلمين الفارين بدينهم من ظلم ما، أن يفقهوا هذا الأمر جيدًا، الهجرة النبوية إلى المدينة كانت هجرة منظمة مرتبة، أُعد لها بصبر وبحكمه وبسياسة وفقه، والعشوائية ليست من أساليب التغيير في الإسلام.