أين الضجيج العذب والشغبُ***أين التدارس شابه اللعبُ
أين التَّباكي والتَّضاحُـكُ، فـي***وقتٍ معًا، والحُزْنُ والطَّـربُ؟
أين التسابق فـي مجاورتـي***شغفًا، إذا أكلوا وإن شربـوا؟
يتزاحمـون علـى مُجالَستـي***والقرب منِّي حيثمـا انقلبـوا
فنشيدهـم "بابـا" إذا فرحـوا***ووعيدهم "بابـا" إذا غضبـوا
وهتافهـمْ "بابـا" إذا ابتعـدوا***ونجيُّهـمْ "بابـا" إذا اقتربـوا
بالأمس كانـوا مـلءَ منزلنـا***واليومَ -ويح اليومِ- قد ذهبوا
ذهبوا، أجل ذهبوا، ومسكنهـمْ***في القلب، ما شطّوا وما قَرُبوا
إنـي أراهـم أينمـا التفتـت***نفسي، وقد سكنوا، وقد وثبوا
وأُحِسُّ في خَلَـدي تلاعُبَهُـمْ***في الدار، ليس ينالهم نصـب
وبريـق أعينهـمْ إذا ظفـروا***ودمـوع حرقتهـمْ إذا غُلبـوا
فـي كـلِّ ركـنٍ منهـمُ أثـرٌ***وبكـل زاويـةٍ لهـم صَخَـبُ
في النَّافذاتِ، زُجاجها حَطَمـوا***في الحائطِ المدهونِ، قد ثقبوا
في الباب، قد كسروا مزالجـه***وعليه قد رسموا وقـد كتبـوا
في الصَّحن، فيه بعض ما أكلوا***في علبة الحلوى التي نهبـوا
في الشَّطر من تفّاحةٍ قضمـوا***في فضلة الماء التـي سكبـوا
إنِّي أراهـم حيثمـا اتَّجهـتْ***عيني، كأسرابِ القَطا، سربوا
بالأمس في "قرنابـلٍ" نزلـوا***واليومَ قـدْ ضمتهـمُ "حلـبُ"
دمعـي الـذي كتَّمتُـهُ جَلَـدًا***لمَّـا تباكَـوْا عندمـا ركبـوا
حتى إذا ساروا وقـد نزعـوا***منْ أضلعي قلبًـا بهـمْ يَجِـبُ
ألفيتُنـي كالطفـل عاطـفـةً***فـإذا بـه كالغيـث ينسكـبُ
قد يَعجبُ العُـذَّال مـن رَجُـلٍ***يبكي، ولو لم أبـكِ فالعَجَـبُ
هيهات ما كـلُّ البُكـا خَـوَرٌ***إنّي -وبي عزم الرِّجـال- أبُ
================================================
ترددت كثيرا في فتح هذا الموضوع لأن أحاسيس الأب غالبا لا يتم الحديث عنها ... وللأسف أحيانا قد لا يلتفت لها ...
لكن في رأيي القصيدة تحتاج فعلا للتوقف عليها للاستمتاع بهذا الطرح الرائع للعلاقة بين الأب و أبنائه
كيف تم التعبير برقة عن أحاسيس الأب بهذه الروعة ...
أحببت أن أشارك هذه اللحظات مع كل أب