حوار مع سجادة
كنت نائماً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة ، من بعد نصب وتعب من
مشاغل الدنيا، وما أكثرها.وقد استلقيت على فراشي ، وغرقت في نوم عميق جداً فاستيقظت قبيل الفجر من عطش
شديد ألم بي ، فقمت لأشرب الماء فعدت إلى الفراش ، وإذا بالانين يعود مرة أخرى ، وفي هذه المرة كان الانين قوياً
وكأنه صوت بكاء فتحسست الارض بيدي ، حتى أمسكت " سجادتي " فسكتت قلت مستغرباً :
أنت التي تأنين ياسجادتي ؟ !
قالت: نعم.
قالت: ولماذا ؟!
قالت: لقد ايقظك عطشك ، وشربت من الماء حتى أرتويت ، وأنا بحاجة الى الماء ولااجد من يرويني الماء !!
قلت: وهل تريدين ان احضر لك كأسا من الماء ؟
قالت: وهذا هو سبب بكائي فقم ياعبد الله وصل لله ركعتين في ظلمة الليل ، حتى تنير لك ظلمو القبر، والجزاء من
جنس العمل، ولم يبق من الوقت الا القليل وبعدها يؤذن المؤذن لصلاة الفجر .
قلت: دعيني وشأني ياسجادتي .
قالت: ياعبد الله قم لصلاة الفجر ، فانها حياة للقلب والروح ، وقد حان موعد الآذان ليردد :
" الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم " .
وانت تستجيب لنداء الدنيا كل يوم في الليل والنهار، ولا تستجيب لنداء العزيز القهار ؟!!
قلت متضايقاً : دعيني أنام ياسجادتي .. فأنت تشاهديني كل يوم ، لا أعود الى المنزل إلا وأنا مرهق متعب .
ثم اخذ اللحاف ووضعه على صدره فشعر بالدفء واستسلم لسلطان النوم .
قالت السجادة : يا عبد الله ، وهل تعطي للدنيا أكثر مما تعطيه لدينك ؟
قلت: بلهجة تهكمية: اسكتي ياسجادتي .
ارجوك لا تتكلمي ..فإنني متعب ومرهق .. اريد أن أنام .
فسكتت السجادة برهة متأثرة بما قال عبد الله وقالت بصوت حزين: آه لرجال الفجر !!
آه لرجال الفجر !!
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها – يعني الفجر
والعصر " ( 1 ) ؟
وقال عليه الصلاة والسلام " من صلى البردين دخل الجنة "
وقال عليه الصلاة والسلام :
" بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة "
وقال عليه الصلاة والسلام :
" ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا " .
فأنبته عبد الله من غفلته وقال : فعلا ان صلاة الفجر مهمة .
السجادة : وهي متحسرة " من لم يعرف ثواب الاعمال ثقلت عليه في جميع الاحوال ".
ثم قالت: ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبد الله ، وستذكر كلامي ونصحي .
ثم تركته السجادة ، ونام عبد الله ، ولكن ! كانت أطول نومة ينامها في حياته ، فقد قبض من تلك الساعة .
فأنشدت السجادة حين علمت بوفاته قائلة :
يا مـن يعـد غــدا لتوبتـه أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في عيشه على أمل ومنية الانسان بالرصد
أيام عمـرك كلهـا عـــــدد ولعل يومك آخر العدد