ابراهيم البحراوى بمناسبة
مرور مائة يوم على اندلاع الثورة، كشف الأستاذ عبدالعظيم حماد، رئيس تحرير
الأهرام، فى عدد يوم الجمعة الماضى عن أمر شديد الأهمية يستحق التركيز من
الباحثين والمؤرخين والإعلاميين، لما له من أثر فى فهم أسباب نجاح ثورة 25
يناير، وعدم تعرضها لنيران قوات الجيش المصرى، كما يحدث فى سوريا واليمن
وليبيا إلى يومنا هذا. يقول «حماد» إن «الأهرام» علمت من مصادر وثيقة
الاطلاع أن القوات المسلحة كانت تتبنى خطة تحرك تتوقع فيها النزول إلى
الشارع لمواجهة تداعيات إعلان التوريث، ونزول القوات المسلحة إلى شوارع
المدن المصرية وكانت المؤشرات تفيد بأن شهر مايو الحالى أو يونيو على أكثر
تقدير هو الموعد المحدد لإعلان التوريث ونزول القوات المسلحة.
إن على الباحثين فى تاريخ الثورة وأسباب وعناصر نجاحها فى الإطاحة
بالنظام البائد، أن يلتقطوا هذا الكشف وأن يواصلوا التنقيب، لكسر حالة
الصمت التى يلتزمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول تفاصيل دوره فى نجاح
الثورة وإحباط التعليمات التى أصدرها الرئيس السابق بسحق المتظاهرين فى
ميدان التحرير على غرار ما حدث من جانب الجيش الصينى فى إخماد الثورة فى
الميدان السماوى فى بكين عام 1989. إن المعرفة الصحيحة بالتاريخ حق للشعب،
ليُدخل هذه المعرفة فى مخزونه الفكرى الذى ينتج تحركاته الكبرى، وهى فى
الوقت نفسه واجب على كل من يستطيع كشف الغموض ليمكن الشعب من إعطاء كل ذى
حق حقه من التقدير والاعتراف السياسى والتاريخى بأدوار البطولة.
إن أدوار البطولة فى حياة الشعوب أمر لا غنى عنه فى جميع المراحل
الحاسمة لنجاح إرادة الشعب، وبالتالى فإن تركيز الإضاءة على هذه الأدوار هو
فى الأساس حفاظ على ثروة الشعب من البطولات والرموز المتألقة فى سماء
التاريخ الوطنى. يشير «حماد» بحق إلى الدور الذى لعبه البيان رقم 1 الصادر
عن القيادة العامة للقوات المسلحة، وليس باسم المجلس العسكرى، فى حسم
الموقف السياسى لمصلحة الثورة فى أول فبراير بعد ثلاثة أيام فقط من جمعة
الغضب، لقد تبنى البيان حق المواطنين فى التظاهر، فى الوقت الذى كان فيه
رجال الرئيس السابق يطلقون النار على المتظاهرين عقاباً لهم على التظاهر،
وبهذا انحازت القيادة العامة للقوات المسلحة، بقيادة المشير طنطاوى، وزير
الدفاع، إلى مبادئ الدستور التى تعترف بحق المواطنين فى التظاهر السلمى
الذى كان الأداة الرئيسية للثورة الشعبية، كذلك فقد جاء البيان رقم (1)
ليعلن بلغة واضحة تبنى وتأييد المطالب المشروعة للمتظاهرين، والتى كان على
رأسها إسقاط النظام ورحيل الرئيس عن منصبه، وبالتالى إنهاء مشروع التوريث.
إن إقدام القيادة العامة للقوات المسلحة على تأييد حق التظاهر ومطالب
المتظاهرين يستحيل أن يتوافق أو حتى يتقارب مع ما كان يريده الرئيس السابق
ورجاله المقربون، القابعون اليوم فى سجن مزرعة طرة.. معنى هذا أن القوات
المسلحة بقيادتها قد انحازت إلى الدستور وحماية النظام الجمهورى بهذا
البيان الصريح، وأنها اعترضت طريق مخطط الانقلاب على الدستور وتحويل النظام
إلى حكم وراثى عائلى.. ومعنى هذا أيضاً أن قيادة القوات المسلحة قد أعلنت
انحيازها للثورة على نحو صريح منذ صدور البيان الأول فى بداية شهر فبراير،
ورفضت توجيه سلاحها إلى الثوار المتظاهرين والمعتصمين.
هنا يأتى موقع السؤال الذى طالب المصدر المطلع، الذى تحدث إلى
عبدالعظيم حماد، بوضعه أمام الرأى العام، وهو سؤال من المهم أن يشاركنى
القراء الأعزاء الذين اعتادوا التعبير عن آرائهم بفاعلية فى تأمله وتصور
الإجابة عنه بخطوطها الحمراء الدامية التى كانت متوقعة من جانب الرئيس
السابق،
السؤال يقول: «تُرى.. هل فكر أحد ما الذى كان سيؤول إليه مصير أعضاء
المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟!». لو أن النظام السابق كان قد نجح فى
البقاء بعد بيان أول فبراير؟..
إن الإجابة تستدعى أن نضع فى الاعتبار أن بقاء مبارك وانتصاره كان
يعنى استمرار حبيب العادلى وجهاز أمن الدولة وجميع وسائل القمع والفتك التى
حركها وزير الداخلية فى الأيام الأولى للثورة، كما يعنى استمرار الحزب
الحاكم وقياداته وأدواته التى ظهرت ميولها الدموية فى موقعة الجمل، وأيضاً
إن بقاءه يعنى سيطرته على قوات الحرس الجمهورى وسيطرة نائبه على جهاز
المخابرات العامة.. علينا بعد هذا أن نسترجع فلسفة الرئيس السابق ونظامه
الذى كان يعتبر نفسه رمز مصر وربها، يساعده فى ذلك ما ينتجه رجال إعلامه
وفقهاء سياساته من مقولات على غرار أن مصر قد ولدت من جديد فى يوم مولده
وما إلى ذلك.
إن هذه الفلسفة تنظر إلى المعارضين والمعترضين نظرة استعلاء وغطرسة
واحتقار، تبرر إصدار الأوامر باغتيالهم أو إجراء محاكمات صورية لهم تنتهى
بإعدامهم، وفى الحد الأدنى سجنهم مدى الحياة، وهى الفلسفة نفسها التى سمحت
من قبل بالاعتقالات وإطلاق النار على رؤوس المتظاهرين وسحقهم بالعربات
المدرعة.. دعونا أيضاً نضع فى الاعتبار ونحن نتأمل الإجابة عن السؤال حول
مصير أعضاء المجلس العسكرى: لو بقى مبارك؟..
إن فلسفة الثورة التى يرعاها المجلس اليوم والتى تتيح لرجال النظام
السابق محاكمات عادلة دون أى استخدام لقانون الطوارئ، ما كانت مصر ستراها
أو تلمسها من ذلك النظام عند معاقبة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ودعونا نسترجع تجربة الإخوان المسلمين وآخرين، والتى دلت على أن النظام
كان يستخدم أسلوب العقاب الشامل لعائلات المعتقلين للتنكيل، وإعطاء العبرة
للآخرين حتى لا يتجاسروا على الاعتراض.. دعونا- بالإضافة إلى هذا كله-
نتصور الطابور المتنوع والطويل من المعتقلين من رجال القوات المسلحة ومن
الرجال والنساء والفتيات الذين قادوا الثورة، ومن كل من تجاسر على
الاستقالة من الحزب الحاكم، احتجاجاً على قمع الثوار، فإذا وضعنا كل هذه
الخطوط والاعتبارات أمامنا فإنه يمكننا أن نتصور وليمة الدماء التى كانت
ستشهدها مصر، احتفالاً بانتصار مبارك وبقائه فى السلطة.
ملاحظة شخصية وموضوعية: لقد شرفت بأن أكون واحداً من الذين قدموا
استقالاتهم من الحزب الحاكم أثناء الثورة، احتجاجاً على أعمال القتل
والقمع، وأعلنت الاستقالة فى «المصرى اليوم» و«الوفد» وقناتى «الجزيرة
والعربية» وأنا أعلم نوع المصير الذى ينتظر كل من يعارض إرادة القمع
والتنكيل.. لكن إرادة الله فوق كل إرادة، حفظ الله لمصر ثورتها وإرادة
الحرية والعدالة، ومكّن لأبنائها وبناتها حياة يملؤها الأمان وتظللها
الرفاهية وتقودها قيم الاستقامة فى القول والفعل.
نقلا عن المصرى اليوم: