الساعات الأخيرة من حكم مبارك.. فوضي واضطرابات ويأس وعزلة وضيق وانعدام فرص المناورة.. كل المحاولات التي بذلها وابنه جمال وبعض المحيطين به علي مدي 18 يوما كانت أشبه بمحاولات الغريق وهو يصارع بلا جدوي وبلا أمل أمواجا عاتية تقذف به وتضربه بعنف».
بتلك الكلمات بدأ عبد القادر شهيب سطور كتابة «السطور الأخيرة في حكم مبارك» والذي كشف فيه عن اسرار وكواليس ما حدث في 18 يوما غيرت تاريخ مصر، ودور جمال مبارك وشلته في إفساد خطة التنحي التي وضعها الجيش وحقيقة الدور الذي لعبه احمد شفيق في تلك الفترة وخبايا وأسرار وكواليس الخطابات الثلاثة التي القاها مبارك أثناء الثورة.
بدأ شهيب الفصل الأول وعنوانه «رئيسان لمصر» بالحديث عن أن الرئيس المخلوع مبارك انسحب تدريجيا من ممارسة صلاحياته حتي بات يمارس طقوس ومظاهر علنية بينما مقاليد الحكم كلها لم تعد في يده مع نهاية عام 2010 وإذا كانت الجراحة التي اجراها العام الماضي هي آخر خطوات انسحابه العملي من ممارسة صلاحيات منصبه فإن الجراحة التي أجراها في عام 2004 كانت هي أولي خطوات الانسحاب..وقتها بدأ التفكير في عملية نقل السلطة الي الابن ورغم ان مبارك حسم امره بالترشيح في الانتخابات الرئاسية عام 2005 بعد ان تبينت صعوبة ترشيح ابنه إلا انه بدأ بالفعل خطوات نقل السلطة عمليا وليس رسميا الي ابنه وكانت القرارات الاقتصادية والسياسية يتخذها جمال بعد مشاورات مع المجموعة المحيطة به وكانت حكومة نظيف تتولي التنفيذ.
فرض جمال مبارك رجاله علي الحكومة وهم: احمد نظيف ويوسف بطرس غالي ورشيد محمد رشيد واحمد المغربي وأنس الفقي وكان هؤلاء يتعاملون معه علي انه رئيس الجمهورية وكانوا ينادونه بالأستاذ باستثتاء يوسف بطرس غالي الذي كان يناديه بجيمي، وكان جمال يعتبره أستاذه الذي رباه، لذا أنقذه من الإقالة حين وبخه مبارك لأنه خرق اتفاقا وأعلن الرقم الحقيقي لاحتياطي النقد الأجنبي في مصر، وظل بانتظار الإقالة لمدة أسبوع.
وحدث تباعد بين جمال مبارك وأحمد نظيف ما شجع بعض الصحفيين المرتبطين بالوريث علي شن هجمات ضده وكانت هناك رغبة من جمال في تغيير نظيف لإحكام قبضته علي الحكومة واستبداله برشيد محمد رشيد الذي يعد أذكي وزراء حكومة نظيف.
وتشير معلومات «شهيب» إلي أن النظام لم يستيقظ من غفلته بعد اندلاع ثورة يناير إلا بعد ظهر الجمعه 28 يناير، لكنه تعامل معها بمساومة الجماهير الغاضبة وليس صحيحا ان مبارك حاول فور اندلاع المظاهرات استرداد سلطته ولكنه كان يحاول انقاذ نفسه وأسرته من سقوط كان يعرف أنه ستكون له تبعات وآثار شديدة بينما كان جمال مهموما بما هو اكثر من ذلك.
في الفصل الثاني «الصدمة» يؤكد المؤلف أن الاضطراب الهائل الذي تعرض له الرئيس السابق هو الذي دفعه ظهر الجمعة لأن يقبل بسهولة طلب التنحي الذي اقره المشير حسين طنطاوي والنائب عمر سليمان والفريق احمد شفيق رئيس الوزراء..حيث اتصل سليمان بمبارك تليفونيا في شرم الشيخ عقب خطابه الثالث الذي فوض فيه سلطاته الي نائبه دون اي مناقشة واقنعه بضرورة إلقاء خطاب التنحي، فطلب مبارك أن يمليه الخطاب تليفونيا ولم يطلب تعديل كلمة واحدة من كلماته التي بلغت 31 كلمة وكل ما طلبه مبارك هو تأجيل الإعلان لبعض الوقت حتي يطمئن علي ولديه علاء وجمال اللذين كانا يستعدان للحاق به علي متن طائرة تسبق طائرة والدتهما سوزان التي تأخرت بسبب إصابتها بإغماءة مفاجئة في المطار حيث احتاج الأمر لبعض الوقت لإسعافها، لكن طلبه لم يقبل فبعد تشاور بين طنطاوي وشفيق وسليمان عاد الأخير للاتصال بمبارك لإبلاغه أن سيف الوقت قاطع وأنه لا مفر من إعلان التنحي إلا أن مبارك طلب تأخير الإعلان لحين إقلاع طائرة نجليه، وهو ما تم بالفعل حيث صدرت الأوامر الي اللواء اسماعيل عتمان بإذاعة البيان الذي تم تسجيله ظهرا بصوت عمر سليمان بعد ان تبين صعوبة إرسال وفد إذاعي الي شرم الشيخ لتسجيله بصوت مبارك لحاجة ذلك إلي 3 ساعات علي الأقل، كما ان مبارك آثر ان يقوم عمر سليمان بتلك المهمة لصعوبتها عليه كما انه خشي من تدخل ابنه مجددا ليعدل في صياغة بيان التنحي.
كان مبارك مصرا علي عدم اذاعة بيان التنحي إلا بعد مغادرة ولديه، لأنه خشي من تصرفات غير مسئولة منه إذا ما فؤجئ بالتنحي، وأكد ذلك تصريح ثلاثة من اعضاء المجلس العسكري بأن تخلي مبارك عن السلطة أنقذ البلد من كارثة فقد كان يوجد رجال حوله ومعارضون له وكان يمكن ان يحدث صدام بينهم وتخليه عن رئاسة الجمهورية يحسب له..
وأكد شهيب ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نصح مبارك في اخر زيارة له إلي باريس بالإسراع في وضع حل لحالة الغموض السياسي بمصر وقال له بالنص: «إذا كان لديك ترتيبات لنقل السلطة إلي ابنك فلتسرع بدلا من هذا الانتظار المثير للقلق في أوروبا».. وهو ما دفع مبارك لإبلاغ عدد من القادة العرب خلال آخر جولة عربية عن نيته نقل الحكم لابنه قريبا.
وقد أكد وزيران أحدهما قريب جدا من السلطة والثاني قريب من المؤسسة العسكرية - حسب وصف المؤلف - صحة المعلومة فقال الأول إن الرئيس سينفذ تلك الخطة في مايو 2011 بإعلان ترشيح الحزب الوطني جمال للرئاسة.. بينما اكد الثاني ان مبارك ابلغ نيته نقل الحكم لعدد من القادة العرب أبرزهم معمر القذافي، وكان التصور السائد في الدائرة الضيقة حول جمال هو أن الاعتراضات علي توريث الحكم مجرد زوبعة في فنجان، وأن المظاهرات ضده لن تزيد علي 100 الف شخص.
سوء التقدير امتد الي ما بعد قيام الثورة.. فكان مبارك حائرا بين ما يسمعه من اسرته وما يسمعه من الخارج، ولم يكن غريبا أن يعرض منصب نائب الرئيس علي المشير طنطاوي قبل ان يعرضه علي عمر سليمان، ولكنه رفض فعرض عليه رئاسة الحكومة فرفض ايضا، فعرض رئاسة الحكومة بتوجيه من ابنه جمال علي رشيد محمد رشيد ولكنه رفض مفضلا الاختباء عند احد أصدقائه من المسئولين العرب.
المشير طنطاوي بحسب تأكيدات شهيب اتخذ مواقف وطنية أدت إلي توتر مكتوم في العلاقة مع مبارك وصلت في واقعتين: الأولي تتعلق برفض بيع مساحات واسعة من أراضي الدولة في البحر الأحمر بحوزة القوات المسلحة إلي رجال أعمال أجانب، والثانية تتعلق ببيع بنك القاهرة، حيث ساهم رفض المشير في احساس متزايد بالتباعد بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية.
في الفصل الثالث «الوقت الضائع» يتبدي طرح اسم الفريق أحمد شفيق لرئاسة الحكومة منذ 2009، حتي أن زكريا عزمي أبلغه ذات مرة بأن قرار تكليفه سيصدر خلال أيام إلا أنه رفض بسبب تصدر جمال مبارك المشهد السياسي.
وحدثت مناقشة مع فاروق العقدة محافظ البنك المركزي الذي قال ان جمال يشارك مبارك في الحكم بنسبة 50% وهو وضع ضار بالبلاد.. لكن شفيق قبل رئاسة الحكومة عقب الثورة بعد أن صار جمال غير قادر علي فرض وصايته، حيث قدم له مبارك كشفا باسماء الوزراء السابقين في حكومة نظيف وطلب منه التفكير في الأعضاء الجدد مع الاحتفاظ بوزيرين فقط هما أحمد ابوالغيط وممدوح مرعي..ولكن بمرور الوقت زاد عدد وزراء مبارك وأبرزهم أنس الفقي بضغوط من جمال الذي كان يدير الأزمة في الرئاسة وصاغ خطابات أبيه الثلاثة، وفور خروج شفيق من لقاء مع الرئيس وجد جمال بانتظاره قائلا: «انا علي استعداد للاستقالة من كل المناصب السياسية وتقديم اي خدمة» فرفض.. لكن رفض شفيق لم يمنع جمال من التدخل لإيقاف وزراء المجموعة الاقتصادية الذين اجتمع بهم مبارك ليتابع تطورات الموقف وعندما حاول ذلك مع فاروق العقدة لم يجبه عن سؤال حول احتياطي النقد الأجنبي وقال له انه أخبر الرئيس بكل شيء.
وفي الاجتماع الأول مع حكومة شفيق نبههم الي عدم السفر الي الخارج في هذا التوقيت الحرج وان من يخالف ذلك سيمنعه هو شخصيا من السفر لكي يثبت لنفسه انه مازال قويا ومسيطرا.
بداية تفكير مبارك في الرحيل تعود الي موقعة الجمل لكن الضغوط التي تعرض لها داخل بيته هي التي اجلت القرار بدليل أنه وافق بالفعل علي اقتراح حسام بدراوي بتفويض سلطاته إلي نائبه والسفر إلي شرم الشيخ ثم أجل إعلان ذلك الي 10 فبراير بضغوط من سوزان وأنس وزكريا عزمي.
وفي الفصل الرابع «حل مستحيل» يستعرض الكاتب ضغوط عمر سليمان علي مبارك لإقناعه بالتنحي، حيث كان له مآخذ عديدة علي نظام حكم مبارك – حسب شهيب - فقد علق ذات مرة علي شكوي من تصرفات يوسف بطرس غالي واصفا ما يفعله وزراء المجموعة الاقتصادية بأنهم «شوية عيال هيخربوا البلد» وكان يري ان الإخوان جزء من المشكلة والحل، وحرص علي الحوار معهم، لكنه حرص علي التأكيد بعدم وجود صفقات معهم وبعد فشل الحوار شعر بأنه مثل طبيب تم تكليفه بإعادة الحياة لمريض مات إكلينيكيا.. وفي أحد اللقاءات الخاصه تحدث سليمان عن إمكانية حدوث انقلاب عسكري اذا لم تحل الأزمة بعدان صار مقتنعا بأنه لا حل للخروج من الأزمة سوي تنحي مبارك.
« مقاومة جمال» هو عنوان الفصل الخامس الذي تناول تعامل نجل الرئيس مع الثورة بنفس التصور الذي تعامل فيه مع حكم مصر، تجاهل غضب المصريين، ما جعله يدير آخر أزمات النظام بطريقة خاطئة.. فحتي مساء الاربعاء 9 فبراير كان جمال علي يقين من أنه سينجح في إنهاء اعتصام التحرير، ما انعكس علي صياغة الخطب الثلاث لوالده وراجعها وحشاها بعبارات تنطق بعدم الاعتراف بالخطأ غير ان سوء الصياغة بلغت ذروتها يوم 10 فبراير في بيان التفويض.
من استمعوا الي الخطاب لاحظوا قطعا في تسجيله، وهو ما يفسره شهيب بأن الجزء الأخير من الخطاب تضمن تنحي مبارك لكن جمال اعترض وأصر مع زكريا عزمي علي إعادة تسجيل الخطاب، ثم اكتفوا بتسجيل الجزء الأخير نظرا لحالة الإجهاد التي كان عليها الرئيس.
وقال شهيب إن جمال ظل يقاوم ليس تنحي والده فقط بل تفويض سلطاته الي عمر سليمان بمنع حسام بدراوي من الانفراد بالرئيس خشية إقناعه، حتي عندما طلب مبارك رؤية بدراوي يوم 9 فبراير حاول جمال تأجيل اللقاء الي اليوم التالي وبالفعل ترك سليمان مهمة إقناع مبارك بالتفويض لبدراوي حتي استسلم جمال ولكنه عدل في صياغة بيان التفويض.
وتحت عنوان «يوم الحسم» يروي الكاتب أن مبارك غادر القاهرة الي شرم الشيخ بعد تعليمات صارمة للحرس الجمهوري بضبط النفس، حيث اجتمع المشير والنائب والفريق في وزارة الدفاع وقرروا أنه لا سبيل سوي اعلان تنحي مبارك بشكل واضح وقام سليمان بصياغة بيان التنحي الذي حاز إعجاب طنطاوي وموافقه شفيق وأمسك عمر سليمان التليفون وحاول اقناع مبارك به.
أحد وزراء حكومة نظيف حاول الإجابة عن السؤال الذي فرض نفسه خلال اجتماع 29 يناير: هل سيساند الجيش الثورة ام النظام؟.. الوزير قال ان الجيش بإمكانه استخدام قنبلة صوت من شأنها إثارة الفزع والرعب بين المتظاهرين وستجعلهم يفرون هربا من الميدان ولكنه لم يفعل وكان ذلك دلالة علي انحياز الجيش لمطالب الثورة حتي ان الشرطة طلبت مساندة الجيش لها يوم 27 يناير ولكن الجيش لم يستجب لها.
وتشهد محاضر اجتماعات مجلس الوزراء اتيح للكاتب الاطلاع عليها بأن المشير اعترض علي اقامة مطار في مساحة ارض حصل عليها رجل الأعمال محمد ابوالعينين وغضب مبارك من المشير وأحال الملف الي شفيق الذي انحاز الي موقف المشير رغم تحذيرات زكريا عزمي كما ان الجيش عارض التوريث حتي انه في احد احتفالات الحرس الجمهوري اصطف الضباط لالتقاط صور مع مبارك الذي دعا ابنه الي الوقوف إلي جواره، فلم تعرف تلك الصورة طريقها للنشر نهائيا بضغوط من الجيش نفسه.
ويسرد شهيب ما حدث في اول اجتماع للمجلس الأعلي للقوات المسلحة.. سأل طنطاوي احد اعضاء المجلس: الوقت دقيق وحازم فماذا ترانا فاعلين؟ فرد بسؤال اذا كنت في موقف الاختيار بين الوطن والانضباط العسكري فماذا تختار؟ فأجاب المشير علي الفور الوطن وعندما حانت ساعه الاختيار لم يكن هناك مناص من ان تتحول القوات المسلحة من ضامن لعملية نقل السلطة إلي المسئول الأول عن تحقيق المطالب المشروعة للشعب.
في ظل هذه الأحداث لم تكن واشنطن في موقف المتفاجئ، فالرئيس الامريكي باراك أوباما وجه مخابراته إلي الاستعداد لمواجهة تغييرات سياسية في المنطقة العربية بما فيها مصر وهي نفس النتيجة التي انتهي إليها بعض الخبراء هناك حتي أن واشنطن بعد اندلاع الثورة استثمرت وجود الفريق سامي عنان رئيس الأركان عندها أثناء الثوره واجرت مشاورات معه وأجرت اتصالات بوزير الدفاع المشير طنطاوي ثم بدأت واشنطن تصعد من لهجتها الحازمة بقولها «الرحيل الآن يعني.. الآن».
كانت هناك تدخلات أجنبية لإسقاط الدولة كلها وليس النظام، حيث تم إلقاء القبض علي 125 أجنبيا أثناء الثورة لم تنته التحقيقات معهم إلي الآن، وطلب المشير من فايزة ابوالنجا ارسال رسالة شديدة الي السفير الامريكي وطلب من الخارجية أيضا ابلاغه رسالة استياء الحكومة المصرية من تجاوز هيئة المساعدات الأمريكية لاتخاذها قرارا بتوزيع 150 مليون دولار من المساعدات علي الراغبين في الحصول عليها من رجال أعمال مصريين او منظمات مجتمع مدني.
ويختتم شهيب فصول كتابه بما «قبل النهاية» مؤكدا أنه لو كان مبارك بكر بخطابه الثاني في الأول من فبراير وألقاه مساء 25 يناير لتغير سير الأحداث حتي أن مبارك ظن أنه حتي ظهر 28 يناير يتوهم انه في حماية أجهزة أمن قوية وهكذا بدا لمبارك، عندما حذره حسام بدراوي من هجوم علي القصر الجمهوري فقال مبارك: «اذا حدث ذلك فسوف يطلق الحرس الجمهوري النار عليهم».
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية أسرار ساعات إسقاط الفرعون