لم تسمح الظروف للرئيس الأمريكي بمتابعة البث المباشر لمشاهد الهجوم الإرهابي علي برجي مركز التجارة العالمي. كان جورج بوش بعيداً عن واشنطن ونيويورك، جالساً داخل فصل دراسي في مدرسة حضانة يستمع باهتمام إلي طفل يقرأ من كتاب يروي إحدي قصص الحيوانات الأليفة، عندما اقترب منه أحد أعوانه ليهمس له بما حدث في نيويورك، هز الرئيس رأسه بدون تعليق وعاد إلي شديد إنصاته لحصة المطالعة! فقد تصور ان اصطدام الطائرة المدنية الأولي بأحد البرجين هو بالطبع حادث نتيجة عطل أصاب محركاتها مما أفقد الطيار سيطرته عليها، وأجبر علي الاصطدام بناطحة السحاب!
بعد دقائق شاهد العالم مشاهد لهجوم وتدمير أحد أجنحة مبني وزارة الدفاع ـ البنتاجون ـ وصدر بيان رسمي يؤكد أن التفجير نتج عن اصطدام طائرة مدنية أجبرت علي تغيير مسارها ـ الرحلة رقم ٧٧ التابعة لـ »أمريكان إيرلينز« ـ بمبني البنتاجون، والغريب ان البيان الرسمي لم يتضمن أو يظهر أي صورة لحطام هذه الطائرة، مما أعطي لأنصار »نظرية المؤامرة« دليلاً إضافيا علي وجود »تآمر« و»متآمرين« وليس مهما من يتآمر علي من؟!
بعد الهجوم علي مبني البنتاجون ـ في واشنطن ـ عاد البث التليفزيوني لينقل للمشاهدين ـ علي الهواء مباشرة ـ مشاهد انهيار البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي بعد ٩٥ دقيقة من اصطدام الطائرة بوينج ٧٦٧ وانفجارها داخله. وبعد ثلاث دقائق علي انهيار أحد البرجين العملاقين أعلن عن اختطاف طائرة ركاب رابعة ـ الرحلة رقم (٣٩) التابعة »ليونيتد إيرلينز« ـ واختفاء مسارها من علي شاشات الرادار. التحقيق الرسمي أكد فيما بعد أن الطائرة المخطوفة بركابها تحطمت في »شانكسفيل« بولاية بنسيلفانيا. وفي الساعة العاشرة و٣٢ دقيقة تابع العالم انهيار البرج الثاني لمركز التجارة العالمي، وسقوط العديد من سكانه من طبقاته العليا للموت أرضا وأرحم وأقل إيلاما من الموت حرقا أو خنقا من الأدخنة والانفجارات.
حصيلة الهجمات بلغت نحو ٠٠٠٣ بين قتلي ومفقودين تحت الأنقاض. ويقول »ديدييه بونفان« ـ في كتابه الجديد بعنوان: »نظريات المؤامرة.. تجتاح الويب« ـ إن الإدارة الأمريكية بادرت وبسرعة غريبة بتوجيه الاتهام إلي جماعة غير معروفة بالنسبة لغالبية الرأي العام تحمل اسم: »القاعدة«.
في الساعة ١١ من صباح يوم ٣١ سبتمبر ـ أي بعد يومين وساعتين فقط من الهجمات ـ أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي: FBI بيانا يتضمن أسماء، وجنسيات، ٩١ من قراصنة الجو الذين قاموا باختطاف الطائرات المدنية الأربع. ولاحقا ـ في نفس اليوم ـ انفردت القناة الإخبارية العالمية: CNN بالكشف عن شخص يدعي: أسامة بن لادن، أكدت أنه هو الذي خطط، وأمر، وأدار الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة. وبدورها سارعت وكالة المخابرات المركزية: CIA بتأكيد وتثبيت ما كشفت عنه الـ: سي إن إن، من خلال معلومات استخبارية عن تنظيم »القاعدة« كخلايا تضم متطرفين، متشددين، إسلاميين سنيين.. متعددي الجنسيات، هدفهم »الجهاد العالمي« وقاموا بهجمات إرهابية ضد مدنيين أبرياء أهمها: الهجوم علي سياح جزيرة بالي، وآخرها هجمات ١١ سبتمبر ضد الولايات المتحدة. وكشفت الـ: سي آي إيه عن: بطاقة تعريف وجواز سفر لأحد الإرهابيين عثر عليهما تحت أنقاض برجي نيويورك، إلي جانب السيارة التي هجرها إرهابي في موقف سيارات أحد المطارات الأمريكية وعثر في صندوقها علي كتيب خاص بالطيران باللغة العربية.
هذه الأدلة والقرائن التي كشفتها الإدارة الأمريكية وأجهزتها بعد ساعات معدودة من هجمات ١١ سبتمبر، لم تقنع هواة وأنصار »نظرية المؤامرة« الذين وصفوها: بالتسرع في إصدار الاتهامات والأحكام.