قرر التيار الإسلامي الرد على وثيقة المبادئ الدستورية التى أعدها الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء خلال المؤتمر الذي عقد الثلاثاء وكرس لبحث عملية صياغة الدستور الجديد ومعايير اللجنة التي ستتولى صياغته باحتجاجات جماهيرية واسعة النطاق، تشمل خصوصا ولعودة إلى تنظيم المليونيات بميدان التحرير في إطار الضغط للتراجع عن الوثيقة التي اعتبروها التفافًا على الإرادة الشعبية للمصريين.
وأعلن "الإخوان المسلمون" والسلفيون و"الجماعة الإسلامية" وأحزاب سياسية ومرشحو الرئاسة خلال اجتماع عقد بمقر حزب "الحرية والعدالة" الأربعاء، تنظيم أول "مليونية كبرى" ضد وثيقة السلمي يوم الجمعة 18 نوفمبر الجاري، لتكون اول مليونية ضمن سلسلة مليونيات ضد الوثيقة الدستورية، وتهدف كذلك إلى مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعلان جدول زمني لتسليم السلطة إلى حكم مدني منتخب، وبدء إجراء الانتخابات الرئاسية في موعد غايته أبريل 2012.
وطالب المشاركون في بيان أصدروه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعلان موقفه بوضوح والتبرؤ من الوثيقة المرفوضة، وإقالة السلمي، وإنهاء الجدل حول هذا الموضوع, ودعوا الشعب المصري إلى التمسك بحقه غير القابل للتصرف في إصدار الدستور الذي يعبر عن إرادته، عبر أوسع مشاركة في الانتخابات البرلمانية، وعدم السماح بأية محاولات لتعطيلها أو العبث بها.
ووقع على البيان الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أيمن نور والدكتور عبد الله الأشعل والسفير هشام يوسف ممثلاً لعمرو موسى بوصفهم مرشحين لرئاسة الجمهورية, إلى جانب الأحزاب والقوى السياسية الممثلة في "الإخوان المسلمين" وذراعها السياسي حزب "الحرية والعدالة" وأحزاب "الوسط" و"الأصالة" و"العمل" و"العدل" و"مصر العربي الاشتراكي" و"الحضارة" و"الإصلاح والنهضة" و"البناء والتنمية" والحرية والتنمية" وحركة "التوافق الشعبي" والدكتور عادل أحمد عبد الموجود عضو اتحاد كتاب مصر وحركة "أحرار ثوار التحرير".
وأكد رؤساء وممثلو الأحزاب والقوى السياسية ومرشحو الرئاسة في البيان رفض الوثيقة وكل ما يمثل وصاية على الشعب وإرادته التي استهدفت ثورة 25 يناير تحريرها, وطالبوا بسحبها، ودعوا الشعب المصري بكل فئاته وأطيافه وانتماءاته إلى التصدي لها، والمحافظة على حقوقه، وحثوا طالبوا الأحزاب والقوى التي لم تشارك في الاجتماع على الوقوف مع إرادة الشعب وحريته والتمسك بمبدأ الدولة الديمقراطية الحرة التي يتطلع إليها المصريون.
في سياق متصل، أصدرت جماعة "الإخوان المسلمين" بيانا هو الأشد في لهجته والحدة في عباراته ضد الحكومة منذ اندلاع ثورة 25 يناير طالبت فيه بإقالة السلمي، وتوعدت بأنها ستطالب وتعمل على إقالة الحكومة كلها وليس نائب رئيس الوزراء وحده إذا أصرت على إصدار الوثيقة الدستورية.
يأتي ذلك بعد أن اتهمت الجماعة السلمي باغتصاب حق الشعب في انتخاب اللجنة التأسيسية وحقه بمنح نفسه الدستور الذي يريد, كما اتهمته بالانقلاب على مبدأ الدولة الديمقراطية لأن الوثيقة الدستورية تضمنت بندا يعطى الجيش حق حماية الدولة المدنية والدستور، وهو ما يقحم الجيش في السياسة ويجعله فوق الدستور، ويهدر فكرة الدولة الديمقراطية التي يجمع عليها الشعب كله, كما دعت أسمتهم بالمخلصين من أبناء مصر الوقوف بقوة في وجه دعاة الفتنة حتى يعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح. وناشدت المخلصين البدء من الآن في فعاليات شعبية لدرء الفتن كلها.
فيما شاطر حزب "العمل الإسلامي" الحليف الرئيسي لحزب "الحرية والعدالة" في "التحالف الديمقراطى" الهجوم حاد على الوثيقة الدستورية.
ووصف الدكتور مجدى قرقر الأمين العام الحزب الوثيقة بـ "الهزلية والكوميدية", وقال إن ما يحدث حاليا يهدد بنشوب صدام بين الإسلاميين والجيش على غرار ما حدث عام 1954, وأكد أنه سيتم الدعوة لمليونيات حاشدة إذا تم الإصرار على الوثيقة المخالفة للإستفتاء والإعلان الدستوري.
يذكر أن السلمي أعلن الثلاثاء وثيقة إعلان المبادئ الأساسية للدستور، وكذلك معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد، خلال اجتماع حضرته مجموعة من القوى والأحزاب السياسية وقاطعته الأحزاب الإسلامية، التي رأت أن الاجتماع محاولة لإحياء "المبادئ فوق الدستورية"، ما أثار ردود فعل متباينة من قبل الأحزاب والحركات الشبابية والشخصيات العامة التي شاركت في مناقشة الوثيقة.
وتنص الوثيقة في البند رقم 9 منها على أنه "يمنع مناقشة ميزانية الجيش في البرلمان وينص على وضعها رقم واحد في الموازنة العامة"، و"اختيار 80 عضوا من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من خارج مجلس الشعب.. والحد الأقصى لمشاركة الأحزاب والكتل 5 أعضاء"، و"إذا لم تنته الجمعية التأسيسية من الدستور خلال 6 شهور يختار العسكري جمعية جديدة بحريته لوضع الدستور خلال 3 شهور"، و"للمجلس العسكري حق طلب إعادة النظر في مواد مشروع الدستور إذا تضمن نصا يتعارض مع مقومات الدولة والمجتمع والحقوق والحريات العامة".
من جانبه، أبدى الدكتور عمرو حمزاوي، وكيل مؤسسي حزب "مصر الحرية"، موافقته على المواد التي عرضت خلال اجتماع القوى السياسية مع الدكتور علي السلمي لوضع مبادئ الدستور، مشيرا إلى أنه انسحب فى تمام الساعة الثانية لانشغاله بمواعيد أخرى.
وأضاف حمزاوي، إنه "اعترض على المادة التاسعة فقط والخاصة بالقوات المسلحة وميزانيتها، والتى طالب بتعديلها"، مشيرا إلى أنه "إذا كنا نريد دولة رقابة وقانون لا بد أن تخضع ميزانيات وكل ما يتعلق بالقوات المسلحة للهيئة البرلمانية، وإن كانت هناك موضوعات تتسم بالسرية ستناقش بسرية فى البرلمان".
وعبر حمزاوي عن تخوفه من أن يكون التوقيت غير مناسب، والذى قد يساعد على صناعة لحظة استقطاب جديدة فى الحياة السياسية المصرية، وأن ننشغل عن الانتخابات البرلمانية بمبادئ الدستور وبمن هو مؤيد ومعارض.
من جهته، أعرب المكتب التنفيذي لحزب "الوفد" في اجتماعه مساء الأربعاء برئاسة الدكتور السيد البدوي رئيس الحزب عن تأييده للوثيقة كاملة التي تتضمن 21 بندا، كوثيقة للمبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة باستثناء بند واحد فقط وهو البند التاسع، الذي ينص علي "اختصاص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر فى كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقمًا واحدًا فى موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة على أى تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره"، مؤكدًا رفضه لأي مادة شبيهة بهذه في أي من الوثائق القادمة أو عند وضع الدستور .
في المقابل، قال المهندس طارق الملط، المتحدث الرسمي باسم حزب "الوسط"، إن الدستور المصري "خط أحمر ولن نسمح بأن ينفرد به أي تيار بوضع مبادئ للدستور"، مؤكدا أن مجلس الشعب هو الجهة الوحيدة التي من حقها وضع الدستور دون وصاية من أحد، متهما الدكتور على السلمي بانتزاع صلاحيات مجلس الشعب.
وأضاف أن انسحاب الحزب من اجتماع الدكتور على السلمي بعدما فوجئ به رئيس الحزب المهندس أبو العلا ماضي بإضافة موضوع جديد لجدول الأعمال وهو "مسودة إعلان المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة"، وهو ما دفع رئيس الحزب للانسحاب الفوري من قاعة الاجتماع اعتراضًا على شكل اللقاء ومضمونه.
وأوضح الملط أنه بمطالعة الوثيقتين المذكورتين الصادرتين عن الحكومة، تبين من خلالهما أن حماية الشرعية الدستورية قد سحبت من الشعب وممثليه وأعطيت للمجلس العسكري، وأن مناقشة الجزء الأكبر من ميزانية الدولة قد سحبت من مجلس الشعب وأعطيت للمجلس العسكري أيضًا، وأن إعلان حالة الحرب لا يكفى فيه موافقة مجلس الشعب الذي يعبر عن إرادة الأمة، إذ إن تلك الإرادة تظل مرهونة كذلك بموافقة المجلس العسكري.
وتابع: "كما تبين أن أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين قد اقتصرت مهمتهم على اختيار عشرين عضوا فقط من بين المائة عضو الذين يشكلون لجنة وضع الدستور، وأن الثمانين عضوا الآخرين سيختارون من خلال هيئات ومؤسسات ما زالت معظمها تحت سيطرة الحزب الوطني المنحل".
وأشار إلى أنه في حال نجاح لجنة وضع الدستور بتشكيلها المتناقض، "وهو أمر مستحيل"، في مهمتها ورأى المجلس العسكري تعارضَ ما وضعتْهُ مع طموحاته، فله أن يعترض على نصوص المشروع أمام المحكمة الدستورية العليا، التي يقتصر اختصاصها فقط على مراقبة دستورية القوانين وليست دستورية الدساتير.